بعد مماطلة إدارة البيت الأبيض بإعادة إدراج «الحوثيين» على قائمة الإرهاب الأميركية التي كان قد وضعهم عليها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قبيل مغادرته منصبه، جاء القرار المقدم من دولة الإمارات العربية المتحدة رقم (2624) ليضع «الحوثي» كمنظمة إرهابية ليس على القائمة الأميركية بل بحسب تصنيف أعلى جهة قانونية يمثلها مجلس الأمن الدولي. يعد هذا القرار هو الأهم منذ صدور القرار 2216 في العام 2015، الذي منح الحق القانوني للعمليات العسكرية في اليمن للتحالف العربي الذي تقوده السعودية لإعادة الشرعية السياسية. الدبلوماسية الإماراتية اقتنصت فرصة سياسية وضربت كل العصافير من على الشجرة. فهذا القرار يمثل رداً اعتبارياً للتردد الأميركي بعد الهجمات الإرهابية «الحوثية» على الإمارات، وصفعة مؤلمة لمن شكك في المواقف الإماراتية ومنهجيتها في اليمن جنوبه وشماله، كما تمثل تعزيزاً لهدف «عاصفة الحزم» بممارسة أقصى قوة الضغط الممكن ليعود «الحوثي» للمسار السياسي فالحرب هي لتحقيق السلم وإعادة الاستقرار النسبي في تلكم البلاد اليمانية. ما يحدثنا عنه القرار 2624 يبدو أبعد من كونه يصنف «الحوثي» جماعة إرهابية، فلم يسبق لمجلس الأمن الدولي أن أقدم على تصنيف «حزب الله» اللبناني وهو الذراع الأقوى لنظام طهران في العالم، ولطالما تعاملت هذه المؤسسة القانونية بحذر مع التصنيفات لهذه الجماعات على اعتبارات أن إدراجها تحت قوائم الإرهاب الدولي، سيمنع التعامل معها قانونياً، مما سيتسبب في زيادة الأزمات الإنسانية في مناطق سيطرتها، وهذا ما استدركته التنظيمات الراديكالية مبكراً واستخدمته كورقة ضغط على المجتمع الدولي. في حالات مماثلة يتم التعامل بتماهي بحيث يتم تصنيف الشق العسكري باعتباره إرهابياً ويترك الشق السياسي للمحاذير الإغاثية والإنسانية. وفي حالة «الحوثي»، فإنه مُنح كامل الفرص لترك السلاح والانخراط في عملية التسوية السياسية، إلا أنه رفض ذلك مراراً وتكراراً، وانتهك كافة القوانين الدولية، واستهدف السعودية والإمارات بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة بالإضافة لجرائم الحرب التي ارتكبها في العاصمة الجنوبية عدن. الجمود السياسي الذي فُرض على الملف اليمني تم كسره بهذا القرار الذي سيدفع «الحوثي» لتغيير موقفه، فلم يعد لدى «الحوثيين» تلك المساحة التي يمارسون فيها تحركاتهم بين العواصم الإقليمية بذريعة الاتصال السياسي، فهذه المساحة ضيقت، ولن تستطيع الدول استضافتهم من دون تنسيق سياسي يضمن الحل السلمي، وهذا ما سيجبر «الحوثي» للانخراط في عملية سياسية، ولو بالتفاهم مع الجانب الذي سارع للتضامن منفرداً مع الحوثيين، فلم تتضامن جهة أخرى سوى طهران، لأن «الحوثي» ينفذ الأجندة الإيرانية في التوسع واستنزاف المنطقة العربية سياسياً واقتصادياً. في المقابل سيدفع هذا القرار على الطرف الآخر في المعادلة اليمنية، فالشرعية الخاضعة لسلطة «إخوان» اليمن والغارقة في الفساد عليها أن تعيد الهيكلة السياسية وتنفذ اتفاق الرياض لتكون مستعدة للانخراط في عملية التسوية السياسية، بالقدر القوي الذي يمكن لها من خلاله أن تسقط الانقلاب وتستعيد المسار السياسي وتفرض على «الحوثي» والقوى الشمالية الانضواء تحت مظلة سياسية متماسكة يمكنها مواجهة «الحوثي» سياسياً. يحسب لدولة الإمارات صاحبة مقترح القرار الأممي أنها بذكاء نجحت في فصل «الحوثي» عن إيران، وأجبرته للمرة الأولى للتفكير بمنأى عن الإيرانيين ليقرر مصيره، مع الأخذ بالاعتبار أن «الحوثي» قد يدفع باتجاه التصعيد، فهو المحشور في الزاوية، وقد يحاول التعبير عن المأزق بتصعيد سياسي أو عسكري عدواني بحثاً عما يمكن أن يخفف من وطأة القرار الثقيل على ميليشيات تمادت طويلاً في غيها وعربدتها وإرهابها، فاليمن والجنوب العربي والمنطقة ضحايا لجماعة مارقة من التاريخ.