الجنوب العربي بين الماضي الأليم والحاضر التعيس !!

2020-10-16 17:18

 

قبل أيام هلت علينا الذكرى السابعة  والخمسين لثورة "  14 أكتوبر" التي اختزل فيها الرفاق كل ثورات وتاريخ ونضال شعب  الجنوب تحت شعار " كل الشعب قومية "!! التي يصاحبها عادة ً كل  عام  مهرجانات  وشعارات ومكاسب  وانجازات وهمية وتوصيفات خيالية وعناوين براقة  كاذبة صدقناها طوال السنين الماضية !!.

قد يستهجن البعض كلامي هذا وقد يلصقوا بي بعض التهم الجاهزة والمعلبة التي طالما استعملها الثورجيون ضد معارضيهم الذين يصمونهم بالعمالة والرجعية  !!

وهم أنفسهم كانوا ولا زالوا غارقين في وحل العمالة و يعيشون في  هذا الوهم وهذه الأكذوبة ؟!  والحقيقة أن  ثورة 14 أكتوبر لم تقم  من أجل طرد الاستعمار البريطاني من أرض الجنوب لأن  بريطانيا قد اتخذت قرارها بالانسحاب من شرق السويس بعد هزيمتها في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م ..وقررت تصفية كافة قواعدها شرق السويس وأعلنت أنها ستنسحب من الجنوب ومن قاعدتها في عدن عام 1968م !!ّ

ولكن الذي حدث وقلب ميزان القوى في المنطقة أن مصر بعد فشلها في الوحدة مع سوريا دفعت الرئيس عبد الناصر لتعويض فشله فقام بالتدخل المصري في اليمن والإطاحة بالإمامة  وبدأ بسرية واحدة وانتهى ب" 70" ألف جندي لتثبيت الجمهورية ..وما صاحب ذلك من سفك للدماء اليمنية – المصرية وكلنا يعرف الثمن الباهظ في حرب السبع سنوات لفرض الجمهورية على اليمن !!

وبعد عام فقط على الثورة اليمنية قامت أجهزة المخابرات المصرية وأدواتها في صنعاء وجلبت  المنظرين الماركسيين الفلسطينيين واللبنانيين ليكتبوا ما يعرف بميثاق ( الجبهة القومية لتحرير" الجنوب اليمني المحتل ") في  تعز...ثم في وقت لاحق جبهة تحرير "الجنوب اليمني المحتل" تمهيداً لضمه وإلحاقه.. إلى مجرد شطر يمني متجاوزة تاريخه من خلال تغييب الوعي الجنوبي واستلاب هويته..وزرع المكونات الشمالية داخله .. في حين أن رابطة الجنوب العربي هي التنظيم السياسي الوحيد في الجنوب  الذي رفع شعار الجنوب العربي في  كل أدبياتها. وفي ذلك الوقت كان إتحاد الجنوب العربي شبه دولة كاملة له جيش وأمن وبرلمان وحكومة وصحافة حرة وأجهزة إعلامية .

وكان  تأسيس الاتحاد عام 1959م قد مثل خطوة  متقدمة  لبناء دولة عصرية في الجنوب وكان لكل ولاية حكمها الذاتي الخاص بها يتماهى مع واقعه وتاريخه  وقد شهد الجنوب وخاصة عدن تطوراً اقتصادياً وثقافياً وسياسياً واجتماعياً .

في حين كانت أهداف الغزاة متشابهة من حيث الأهمية الإستراتيجية لميناء عدن وموانئ الجنوب الأخرى منذ عهد الرومان والبرتغاليين والسبأيين والقاسميين وأخيرا الانجليز ولكن الفرق بينهم أن السبأيين والقاسميين قد استهدفوا محو تاريخ وهوية الجنوب العربي وما رافق ذلك من حملات إبادة لشعبه والاستيلاء على أراضيه وثرواته . هذه هي الأهداف المبطنة التي سعت إليها أجهزة المخابرات في الجمهورية العربية اليمنية منذ قيامها .

لقد كان الانجليز أثناء فترة الاحتلال للجنوب أكثر رحمة وإنسانية فمنذ وطأت أقدامهم عدن عام 1839 م وحتى خروجهم عام 1967 م لم يقتلوا ما نسبته 1 % مقارنة بما تم سفكه في عهد الرفاق حتى عام 1990م مرورا بالغزو اليمني  للجنوب عام 1994 م وحرب 2015 م وما زال يشن حربه علينا  حتى اليوم.

لقد احترم الانجليز الدين الإسلامي وعادات وتقاليد شعب الجنوب  طوال الفترة الاستعمارية وإذا حدث ومرت قافلة عسكرية تحمل جنودا منهم وشاهدوا جنازة يحملها مسلمون إلى المقبرة وصادفت طريقهم أوقفوا سياراتهم ونزل قادتهم ورفعوا قبعاتهم واحنوا رؤوسهم للميت المحمول احتراما لمشاعر المسلمين !!

واليوم كما قال د. حمود اليهري " طوال عقود من الزمن وأكثر  وثوار أكتوبر يحيون لياليهم الاحتفالية بهذه الثورة ومنازلهم ومكاتبهم تنار من محطات توليد الكهرباء التي أنشأها المستعمر، وبيوتهم تزود بالماء عبر شبكة المياه التي أنشأها المستعمر، ومخلفاتهم  تصرف عبر شبكات الصرف الصحي التي أنشأها المستعمر، ومركباتهم وسياراتهم تستخدم شبكة النقل الحضري التي أنشأها المستعمر، وغذائهم وسلعهم تأتيهم عبر مطارات وموانئ أنشأها وشيدها المستعمر، وعلاجهم وتعليمهم جزء كبير منه يحصلون عليه في مدارس ومستشفيات أنشأها المستعمر. والأدهى والأمر من هذا كله،  أن ثوار أكتوبر،  وأنجالهم،  وأحفادهم، وأسباطهم،  يحتفلون اليوم في العيد 57 لثورتهم ضد المستعمر، وهم  بلا ماء ولا غذاء ولا كهرباء ولا صرف صحي ولا تعليم ولا صحة ولا أمن  ولا دولة ولا وطن!!.فعن أي ثورة نتحدث وبأي ثورة نحتفل وهي لم تستطع أن تحافظ حتى على ما تركه لها المستعمر الذي ثارت عليه من منجزات؟ عن أي ثورة نتحدث؟ ونحن وبعد 57عاما من قيامها ندور على الوطن الذي قامت لأجله، وسكان عدن التي تركها المستعمر مجهزة بكافة خدمات البنى التحتية،  يدورون في شوارعها بالدبب الصفراء على الحمير يبحثون عن شربة ماء يشربونها؟!!

ثم ماذا فعل غلاة الماركسية من أبناء جلدتنا ألم يسحلوا علماء الدين وهم أحياء ؟ ألم يضربوا رؤوسهم بالفؤوس في مسيراتهم الغوغائية ؟ ألم يزهقوا أرواح الآلاف من أبناء شعبهم ورفاق مسيرتهم في مذابحهم الشهيرة وحتى اليوم لم يحاسبهم أحد ؟!!

أليس الرفاق هم من ضيع شعبنا في الجنوب بشعاراتهم الحالمة وأدخلونا في نفق الوحدة المظلم ولم نخرج منه حتى اليوم ؟‍‍!‍!

إن بريطانيا لم تذل الإنسان الجنوبي  كما فعل الرفاق لقد وفرت التعليم والصحة والكهرباء والمياه والخدمات الأخرى والأمن . أما اليوم وفي ظل الشرعية المهلهلة   فقد بلغ الإنسان أقصى درجات الذل والمهانة في كل مناحي الحياة .

وأخيراً أقول ليس ما سبق إنكار أو إغفال لمطالب شعب الجنوب وتضحياته و الإنعتاق من الاستعمار وبناء دولته المستقلة كباقي  شعوب الأرض ..أو التقليل من مطالبته بالحرية والاستقلال..ولكن ..كان في إمكاننا نيل حريتنا واستقلالنا دون نرتمي في أحضان الغير !!

ودون  أن نسفك كل هذه الدماء سواء من دماء الرفاق فيما بينهم أو دماء أبناء الجنوب من ضحاياهم وهم بالآلاف !!

أما كان من الأولى أن نحافظ على دولتنا ..ونحصن بلادنا ونتفاهم بيننا بدلا من إدخال الحجريين في حصان طروادة  ؟ ولكن ذلك لم يحدث مع الأسف الشديد ..!!

فهل نعتبر من التاريخ ودروسه أم أننا لا زلنا نستجر همجية الماضي وغوغائية الحاضر دون أن نعتبر مما جرى ؟ وفي هذه الذكرى هل آن لنا أن نستوعب الدروس القاتلة ونتصالح فيما بيننا ونعود إلى رشدنا لاستعادة دولتنا  أم لا؟

والسؤال هو: لماذا نحتفل اليوم  بذكرى 14 أكتوبر ونرفع راياتها وشعاراتها ونمجد أصنامها ؟ وهي التي جلبت لنا الخراب والدمار ولا زلنا ندفع ثمنه حتى اليوم .؟؟!!!

                                

د. علوي عمر بن فريد