صديقي السفير مصطفى نعمان واتفاق الرياض

2020-10-02 09:56

 

ربما هو توارد الخواطر الذي جعلني وصديقي السفير مصطفى نعمان نتناول قضية واحدة بنفس العنوان الاستفهامي "من يعرقل تنفيذ اتفاق الرياض" و"من يعرقل اتفاق الرياض؟"وفي يومين متتاليين.

قد يبدو العنوانان متفقان لكن الإجابة على السؤال تختلف، وهذا أمر طبيعي فلكل فرد منا قناعاته وفهمه ونظرته وأدواته التحليلية للظواهر والقضايا، والأهم من هذا الموقف السياسي من هذه القضية أو تلك.

مقالة السفير نعمان نشرها على صحيفة الإندبيندينت البريطانية في نسختها العربية  أما منشوري المتواضع فقد جاء عبر صفحتى على فيس بوك وتناقلتها بعض المواقع الإلكترونية كالأمناء ويافع نيوز العدنيتان وغيرهما، ولست هنا في وارد مساجلة صديقي الذي أوده كثيرا السفير المخضرم مصطفى أحمد محمد نعمان، الذي التقينا في زيارتين خصني بهما إلى مدينة شيفيلد بمعية الزميل النائب نبيل الباشا، عندما كنت عرضة للفشل الكلوي، وهو موقف لن أنساه لهما،  وفي المرتين ومن خلال كتاباته التي أحرص على قراءتها تمكنت من تكوين فكرة عن التقارب في رؤيتنا للكثير من القضايا اليمنية بنفس الفهم أو على الأقل بفهمين متقاربين، لكنني سأشير إلى منطلقات لم يكن صديقي مصطفى موفقا فيها عند تسويقه لفكرته عن اتفاق الرياض وضمنا عن القضية الجنوبية، وهو ما جعله يخطئ في استنتاجاته التي ربما جاء بعضها قبل مقدمات البحث، وسأحتفظ بتأييدي لمعظم ما ورد في مقالته المذكورة.

قال سعادة السفير مصطفى عن الطرفين الموقعين على اتفاق الرياض أنهما غير راغبين في شراكة فاعلة " فلا أهدافهما مشتركة ولا هموم المواطنين تشغل بالهما، وكل ما في الأمر هو مشهد صراع ممل حول تقاسم الحقائب الوزارية".

وقع صديقي السفير مصطفى من خلال هذا التفسير في خطأين منهاجيين: الأول يكمن في مساواته بين الطرفين واعتبارهما غير راغبين في بناء شراكة فاعلة وإن هموم المواطنين لا تشغل بالهما، وعموما موضوع الشراكة وحده يستدعي بحث خاص، لأن الشراكة ليست هي موضوع اتفاق الرياض إلا في حدود ما يتعلق بمواجهة المشروع الحوثي، وبالنسبة للمجلس الانتقالي لا يستطيع أحد المزايدة على موقفه وهو ما يقر به التجالف العربي بدولتيه الرئيسيتين، لكن قضية أن هموم المواطنين ليست ما يشغل بال الطرفين، كان يفترض على سعادة السفير كسياسي محترف أن يورد البراهين عليها، فعلى الأقل بالنسبة للمجلس الانتقالي لو لم يكن منشغلا بحقوق المواطنين وهمومهم ومعاناتهم ومصائرهم لما تجشم كل تلك التحديات والمصاعب وخوض المواجهات مضطرا، وقدم التضحيات من أجل التعبير عن مطالب وتطلعات المواطنين الجنوبيين الذذين منحوه ثقتهم والدفاع عنهم وعن مستقبلهم، أما بالنسبة للشرعية التي تتحكم في الموارد وتستلم الإعانات الدولية والإقليمية ويتقاضى أفرادها مرتباتهم بالدولار فمن حق سعادة السفير أن يسألهم عن هموم المواطنين وفيما إذا كانت تشغل بال قياداتها (أي الشرعية)، لكن المساواة بين طرفين أحدهما لا يملك سوى أصوات ودعم المواطنين المؤيدين له، والآخر هو مسؤول قانونيا ودستوريا عن هموم المواطنين ومعاناتهم ويمتلك كل الوسائل التي تمكنه من معالجة هموم الناس لكنه لا يفعل هذا، هذه المساواة هي مساواة ظالمة لم يكن صديقي مصطفى موفقا فيها.

والخطأ الثالث الذي وقع فيه سعادة السفيرهو توصيفه بأن النزاع بين الطرفين الموقعين على الاتفاق هو " هو مشهد صراع ممل حول تقاسم الحقائب الوزارية"، ففي اعتقادي أنه يعلم (ولا أدري لماذا يتجاهل) أن جذر القضية يكمن في ما تعرض له الجنوب من غزو واجتياح وتدمير وسلب ونهب وتهميش وإقصاء خلال وبعد حرب 1994م وعلى مدى ثلاثة عقود، وليست قضية أربع أو ست أو حتى عشرين وزارة.

إن ما تعرض له الجنوب منذ 7/7/1994م حتى اللحظة الراهنة من حروب متنوعة، يجعل الحديث عن سلطة 1994م كسلطة احتلال ظلما لمفهوم الاحتلال، وظني أن نائب الرئيس الحالي علي محسن الأحمر عند ما وصف الوضع الذي ساد الجنوب بعد الحرب بالاستعمار كان يحاول تجميل الوضع، لأن الاستعمار له أصول ومبادئ أولها احترام المستعمر لحقوق سكان مستعمراته، وتقديم لهم كل أو بعض الخدمات والحقوق التي تقدم لسكان بلاده، وهو ما لم يحصل مع سكان الجنوب من قبل نظام صنعاء لا منذ 1994م ولا بعد 2015م.

أعود وأقول لصديقي مصطفى: أن قضية الجنوب، وممثله الراهن، المجلس الانتقالي الجنوبي، وبقية المكونات السياسية الجنوبية، ليست مجموعة مناصب وزارية في الحكومة الشرعية ولا حتى كل المناصب الوزارية ولا حتى منصب رئيس الجمهورية وكل المناصب والألقاب العليا والوسطى والدنيا، بل إنها قضية أكبر وأعمق من كل هذا بكثير وصديقي مصطفى يعلمها جيداً لكنني أتعجب أن يحصرها في أربع أو عشر وزارات.

إن القضية الجنوبية تتمثل في: دولة دُمِّرت بالحرب، وأَرض اُغتُصِبَت وشعب هُمِّش، وثروة نُهِبَت وحقوق صُودِرت، وهوية مُسِخَت ومستقبل سُدَّت أبوابه، وبالتالي فالأهداف المعلنة للشعب الجنوبي تتمثل في النضال من أجل استعادة الدولة الجنوبية وفقا لحدود 21 مايو 1990م، وهذه قضية يعلمها القاصي والداني، أما قضية المناصب وحكومة الكفاءات ومشاركة المجلس فيها فليست سوى مرحلة مؤقتة جاءت استجابةً لجهود الأشقاء في التحالف العربي، وعندما وقع المجلس الانتقالي على اتفاق الرياض ومنه هذه الفقرة لم يكن سوى رغبة منه في إيقاف الحرب على الجنوب ومشاركة التحالف العربي في مواجهة التحالف الانقلابي في صنعاء والذي يأبى الشرعيون مواجهته وإسقاطه.

وحول موضوع التمثيل الجنوبي أو إن الجنوبيين غير متفقين، يعلم الصديق مصطفى أن المجلس الانتقالي الجنوبي لا يدعي أنه يحتكر تمثيل الجنوب منفرداً، وقد عبر عن ذلك مرارا، وبالنسبة لاتفاق الرياض يعلم سعادة السفير أن التسريبات المتواصلة تتحدث عن حصص في حكومة الكفاءات (المفترض تشكيلها) تشمل أحزاباً وتنظيمات داخل الشرعية هي جزء من المشكلة ومنها التجمع اليمني للإصلاح وحزب المؤتمر الشعبي العام وبقية الأحزاب التي ليست لها قواعد في الجنوب وكلها من حصة الجنوب، والمماطلة والتسويف تأتي من الطرف الآخر وليس من المجلس الانتقالي الجنوبي. وقد أعجبني الزميل السفير عندما قال "  والبعض يطرح أن "الشماليين" أيضاً ليسوا متوافقين في شأن تمثيلهم، وهو طرح فيه تعسف" ، ثم هرب من الحقيقة باتجاه اتهام الشماليين في الشرعية بأنهم فقدوا حيويتهم واستكانوا للبحث عن رضى الرئاسة عنهم، ونسي صديقي مصطفى أن الحوثيين شماليين وأن الحشد الشعبي في تعز شمالي، وأن اللواء 35 مدرع (بقيادة الشهيد البطل العميد عدنان الحمادي عليه رحمة الله) شمالي، والمقاومة التهامية شمالية، وحراس الجمهورية شماليون، وتيار الرئيس السابق في المؤتمر المؤيد للشرعية شماليون وكذا تيار المؤتمر الذي في صنعاء، وجميع هؤلاء ليسوا على قلب رجل واحد بطبيعة الحال والشمال ليس الأحزاب التي تآزر الشرعية وتحتكرها وتهيمن على قراراتها ولا أدري أين التعسف عند القول أن الشماليين منقسمون أكثر من انقسامات الجنوبيين التي هي في الغالب مصطنعة ومصنعة.

أوافق صديقي مصطفى أن الجنوبيين ليسوا على قلب رجل واحد مثل كل شعوب الدنيا: فهم ينقسمون إلى أغلبية ساحقة تتمسك باستعادة الدولة الجنوبية وأقلية ضئيلة تؤيد فكرة اليمن الاتحادي التي رفضت من جميع الشماليين، وإن اضطر البعض بعد الاجتياح الحوثي إلى التماهي معها من باب التكتيك المؤقت ليس إلا.

لكن هؤلاء الجنوبيين (المؤيدين لليمن الاتحادي) الذين يجري ابتزازهم وخداعهم واستدراجهم لمواجهة إخوانهم الجنوبيين، وإيهامهم بأنهم من يحكم اليمن لا يعلمون (وربما يعلمون) بمن يتحكم في صناعة القرارات ولكن، كما يقول أهلنا  في الأرياف "العاشق الكذَّاب يفرح بالتُّهَم".

وعموما فإن معظم ما تناوله الصديق السفير يبدو فيه محقّاً خصوصا ما يتعلق بسوء أداء مكونات الشرعية وترهل القيادات وتطاول زمن الأزمة وعجز القائمين عليها عن الاطلاع بمهماتهم المفترض أنهم قد اعتادوا عليها بحكم الشيخوخة وتقادم الزمن وتراكم الخبرة التي يفترض أنهم قد راكموها على مدى عقود متطاولة.