السبب هو أن الأنظمة التي خلفت الاستعمار والسلاطين وحكمت البلاد بعد خروجهم كانت من السؤ والفساد والقمع والرعونة أن جعلت الناس يترحمون عليهم بعد أن اكتووا بنار الحكام الجدد الذين خلفوا المستعمر بعد خروجه لما في عهده من إيجابيات؛ على قلتها وانحصارها في مناطق قليلة مثل : عدن والمناطق القريبة منه رغم قلتها .. ضاعت هي بدورها في ظل السياسات الفاشلة والصراعات الدموية على السلطة !!
ولعلنا لا زلنا نتذكر أحد الثوار من أبناء ردفان وهو يقدم أسفه واعتذاره لبريطانيا على ما فعله في الانجليز أثناء الثورة وبعد الاستقلال تبخرت أحلامه في الهواء عندما كان يحلم بوطن مزدهر ولكنه لم يجد أمامه إلا مستقبل مظلم !!
والأغرب من ذلك حاول النظام الشمولي تلميع صورته وقام بمحاكمة صورية لأحد الموظفين والتهمة أنه اختلس مبلغا من المال وتم إعدامه!!
بينما يقوم دهاقنة النظام الشمولي في الوقت نفسه بأبشع ا لتصفيات الجسدية والاغتيالات لمئات المواطنين وتلفيق التهم الجاهزة لهم بالعمالة والخيانة ولم يحاسبهم أحد !!؟؟؟
مما جعلنا نترحم على الاستعمار وعلى سلاطين الجنوب الذين ظلمناهم وجرمناهم في ذنوب لم يرتكبوها ونعتناهم بأقذع الألقاب والأوصاف وهم براء منها !!!
وجعل المواطن في الجنوب يترحم على عهدهم الذي مضى ؟!
وأنا هنا لا أبرئ البريطانيين فهم قد تآمروا على شعبنا عندما سلموا فئة من المغامرين والموتورين الحكم ولا زال شعب الجنوب يتجرع مرارته وتبعاته حتى اليوم !!
و لا أبريء ساحة المستعمر من دوره في ترتيب الأوضاع لمجيء أنظمة وقادة سيئين او عملاء له؛ فلا شك أن إحباطات الحاضر، وسوداوية المستقبل القادم في ظل الأنظمة السيئة التي حكمت كثيراً من المجتمعات هو الذي دفع شعوباً؛كانت تدفع الدماء دون حساب كرهاً في الاستعمار وأملاً في رحيله؛ لفعل ما هو أسوأ من مجرد التحسر على أيامه، ثم ازدادت الحالة سوءا حتى جاءت أيام كانت قوى سياسة واجتماعية تذهب بنفسها إلى عواصم الاستعمار (القديم والجديد) لتحضه بإخلاص (!) على القدوم لغزو بلدانها وتحريرها من النظام الوطني الثوري الغاشم الذي يحكمها بالحديد والنار والكيماوي كما حدث في العراق ،كما يقول الأستاذ ناصر يحيى ، ورغم ذلك كله وبالرغم من مساوئ الاستعمار إلا أننا لا ننكر بعضا من حسناته ومن ذلك ما يلي :
في الستينيات من القرن الماضي ( أيام الاستعمار) البريطاني في عدن ؛ طفت الكهرباء ساعتين ؛ فقام المندوب السامي البريطاني بإحالة مدير الكهرباء وكبير المهندسين للتحقيق والمحاكمة بتهمة التقصير قائلا :
إذا كان لابد من القطع ولأمر ضروري تقطع الكهرباء عن المعسكرات وأقسام الشرطة ولا تقطع عن الأحياء السكنية لأن فيها نساء وأطفال وشيوخ ، وإذا حدث مكروه لأحدهم فالرب لن يسامحني .!ّ! ماذا عمل المندوب السامي ؟
قام بإعفاء المواطنين من تسديد الفواتير ذلك الشهر الذي وقع فيه القطع .
تقدم باعتذار لأهالي عدن عامة ولمن انقطعت عنهم الكهرباء خاصة !!!
وأمام ما يجري اليوم من قمع ونهب وتسلط وتعسف وإذلال وحرمان المواطن في حقه في توفير الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وحماية الممتلكات وانتهاك حقوق المواطنة فقد جعلتنا هذه الأمور التي تبدو بسيطة نترحم على عهد الاستعمار والسلاطين !!
د. علوي عمر بن فريد