في السياسة الدولية وحدهم الكبار من يقرر ويتكلم ومهما تباينت آرائهم ورؤاهم فهم يتفقون ويتقاسمون الأدوار والنفوذ على الكوكب وفق مصالحهم أما الشعارات والعناوين العريضة التي ينا دون بها مثل : حقوق الإنسان والحرية وحق تقرير مصير الشعوب ما هي إلا لذر الرماد في العيون !!
والشاهد على ما نقول هو الآتي :
في تسجيل بثته القناة الفرنسية "2"لحوار دار بين مندوب روسيا في مجلس الأمن فيتالي تشوركين ورئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها حمد بن جاسم الذي نسي حجمه في جلسة الكبار، حيث وجه بن جاسم الكلام لمندوب روسيا قائلا : أحذرك من اتخاذ أي فيتو بخصوص الأزمة في سوريا، فعلى روسيا أن توافق القرار و إلا فإنها ستخسر كل الدول العربية.
فرد الروسي بكل هدوء أعصاب : 'إذا عدت لتتكلم معي بهذه النبرة مرة أخرى, لن يكون هناك شيء اسمه قطر بعد اليوم!!
و هاجم المندوب الروسي في مجلس الأمن رئيس وزراء قطر قائلا:' أنت ضيف ِعلى مجلس الأمن فاحترم نفسك وعد لحجمك وأنا أساسا لا أتحدث معك أنا أتحدث باسم روسيا العظمى مع الكبار فقط.!!
ونعود إلى حكاية الأحذية و الحكمة من رميها ؟؟ هل من رماها يريد الشهرة؟؟
هل يريد دخول التاريخ ؟؟!!. . . لكن التاريخ لا يبدأ من الأحذية ، فرمزية "الاحتقار" الكامنة في القذف بالحذاء" معروفة ومتوارثة منذ القدم في الشرق
نستعيد عبر الذاكرة كثيرا من عناوين الصحف التي استهلت أقوالها:
صحفي عراقي يقذف بوش والمالكي بحذائه ويهتف قائلا: "كلب"بعد مشادة بينهما واتهامات لعز بالفساد!!
هل دخلت الأحذية معترك الحياة السياسية؟؟؟؟
التاريخ يقول : بين السياسة والأحذية علاقة قديمة. فقد استخدام الحذاء للتعبير عن مواقف سياسية، وكثيرا ما كان حاضرا في الثقافة السياسية. أحيانا يَضرب السياسي به، وأحيانا هو يُضرب هو به ،علاقة بين السياسيين والأحذية، ولكنها ليست الوحيدة التي ستدخل التاريخ. ففي عالمنا العربي، تعود علاقة السياسيين بالأحذية إلى القرن الثالث عشر، عندما قامت أم علي زوجة عز الدين أيبك وجواريها بقتل ضرتها شجرة الدر، حاكمة مصر، ضربا بالقباقيب!!
أشبعت أم علي وجواريها شجرة الدر ضربا بالقباقيب في الحمام، انتقاما لمقتل زوجها ...لكن أكثر ما عرف وانتشر عن مواقف الأحذية أنها تسببت في إحراج العديد من السياسيين وأنها استخدمت للتعبير عن الغضب والاعتراض على موقف سياسي معين، مثال نيكيتا خروتشوف الذي استخدام حذاءه مرتين. الأولى ، بالضرب بحذائه على منصة الأمم المتحدة، اعتراضاً على خطاب رئيس الوفد الفليبيني لورنزو سومولونغ، الذي انتقد فيه الاستعمار السوفييتي في أوروبا الشرقية. والثانية عندما خلع حذاءه وضرب به الطاولة الموجودة أمامه في الجمعية العامة احتجاجاً على تصريحات الأمين العام دوغ هامرشولد!!
وفق كتب التاريخ فإن الحذاء في الحياة السياسية استخدم في بداية العصر المملوكي عندما اغتيلت شجرة الدر في القرن الثالث عشر رمياً بالقباقيب حتى الموت فيما هي في الحمام على أيدي "أم علي" زوجة السلطان عزالدين ايبك وضرة شجرة الدر انتقاما لمقتله لذلك جرى قتلها بهذه الطريقة المهينة!!
الحذاء يتربّع عرش السياسة في بلادنا العربية ، ومع أن الشيوعية لم تستطع أن تثبت نفسها في عالمنا العربي إلا أن هناك نوعاً من التواصل "الفكري" بين المنظومتين فلقد كان حذاء خروتشوف هو الآخر واحد من أهم وأشهر الأحذية لأنه أول من استخدمه للتعبير السياسي في المرحلة الحديثة من خلال وضعه على منصة مجلس الأمن لجعل رأيه أكثر وضوحاً. ففي أوائل الستينات من القرن الماضي وأثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة خلع خروتشوف حذاءه وأخذ يدق به فوق الطاولة أمامه وهو يصرخ بالمندوب الأميركي في المنظمة الدولية: سندفنكم. يبدو أن السياسة الأميركية هي أكثر من يستحق سياسة الحذاء ليس في بلادنا فحسب بل في ديار أخرى أيضا!!.
وبعدما ضرب العراقيون تمثال صدام حسين بأحذيتهم بعد سقوط بغداد؛ برز الصحافي العراقي منتظر الزيدي والذي شطر بفعلته العالم العربي – مرة إضافية - إلى معسكرين: واحد مع الحذاء والآخر ضد الحذاء. بدأ الضرب بالحذاء في العراق وفي المرتين فعل رمزي يمثل أقصى الإهانة للشخص الموجّهة الضربات إليه صدام وبوش!!.
وهكذا نجد أن لثقافة الأحذية في بلادنا تاريخ متنوع فمن استخدامها للاهانة والسحق؛ساد مؤخراً طقس استخدامها في تقبيل أحذية الضباط والعساكر.
اعتقاد خاطئ ساد في عالمنا العربي هو أن خروتشوف ضرب بحذائه طاولة الأمم المتحدة من أجل صديقه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، على الرغم من نيل “حادثة الحذاء” انتشارا عالميا وصل صداها إلى مختلف بقاع المعمورة كما لو أنها وقعت في وقتنا الراهن الذي تنتقل فيه المعلومة المثيرة بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة الإلكترونية كما تنتشر النار في الهشيم!!.
ولكن الحقيقة أن كلمة مندوب الفلبين هي التي أثارت غضب خروتشوف، وبدأ هو وبقية أعضاء الوفد السوفيتي في الصراخ والضرب بقبضاتهم على الطاولة في محاولة للفت انتباه الدبلوماسي الأيرلندي فريدريك بولاند الذي كان يرأس الجلسة
بغية الحصول على كلمة للاعتراض على ما تقدم به المندوب الفلبيني، واستغل خروشوف حذائه الأيمن لتعزيز التأثير على رئيس الجلسة.
فيما رجح البعض الآخر أن انفعال خروتشوف واستخدامه الحذاء في الأمم المتحدة كان عام 1962 بسبب الخلاف مع الأمريكيين على كوبا أبان أزمة الصواريخ النووية بين البلدين عندما أمر خروتشوف بنقل صواريخ سوفيتية تحمل رؤوس نووية إلى كوبا لحماية الثورة الشيوعية هناك بقيادة الرئيس الكوبي فيدل كاسترو والتي انتهت بتوصل الولايات المتحدة برئاسة جون كينيدي إلى حل هذه الأزمة مع الاتحاد السوفيتي التي كادت أن تُشعل حربا عالمية ثالثة، وكل هذا بفضل حذاء خروتشوف!!.
د.علوي عمر بن فريد