أصبحت غريبا في وطني !!!

2020-07-09 06:47

 

عندما كنّا صغاراً ويا ليتنا لم نكبر حتى لا ندرك بعض المفاهيم على حقيقتها، أوليس الغربة في الوطن أشد قسوة من الغربة التي تتعدى جدرانه وحدوده الجغرافية ؟!!

في وطني سمعنا عن قصص المغتربين ومغادرة أوطانهم عنوةً أو بحثاً عن حياةٍ أكثر رخاءً، لكننا لم نسمع بمن يعيشوا في أوطانهم غرباء!!

كبرنا وآخر ما توقعناه بأن نكون من هؤلاء ونعيش غرباء في الوطن الذي فيه نشأنا وكانت فيه أجمل ذكرياتنا!!

وما أقسى أن تحيى هذه الحياة،  وأنت  في وطنك غريبا ولا تحصل على أدنى حقوقك، ما أقسى أن يُمارس الظلم عليك في وطنك فتهضم حقوقك فيه وممن ؟؟ من دخلاء وغرباء دخلوه عنوة !ّ!

ولا تستطيع بأن تدفع الظلم عنك منهم ، وما أقسى أن تعيش فيه بلا مأوى ولا زادٍ وبلا كرامة وبلا أدنى مقومات الحياة الكريمة!‍!!

أخبرني رجل في الثمانين من العمر سيباني النسب رجل أعمال وتجارة في المملكة العربية السعودية وأفريقيا و ماليزيا قال هممت إن أستثمر في حضرموت قبل 20 سنة تقريبا فذهبت إلى هيئة الاستثمار  وطرحت المشروع المزمع ‏

إقامته وكان في مجال الأسمنت فأخبرني مدير هذه الهيئة بأنه لا بد أن تذهب إلى صنعاء حتى تأتي بموافقة مجلس الوزراء!!

المهم ذهبت حتى وصلت إلى رئيس الجمهورية الهالك علي عبدالله صالح و دفعت أموالا طائلة حتى أعطوني تلك الموافقة فرجعت إلى المكلا بعد ما حددت لي هيئة الاستثمار الأرض .

والتي كانت بعيدة عن المدينة وعن المعسكرات فبدأت العمل في إنشاء ذلك المشروع ومعي أربعه أجانب وفي أحد الأيام فوجئنا  بطقم عسكري مرسل إلينا من  المنطقة العسكرية الثانية يأمرنا بإيقاف العمل فأخبرته بأن إجراءاتي سليمة ولدي موافقة من الحكومة فقال : (ماباللا ) ‏القائد يريدك أن تأتي إلى القيادة وتأتي بالأجانب معك ...!!

فذهبنا في اليوم الثاني إليه  فأخذ قائد المنطقة العسكرية الثانية وكان يدعى محمد علي محسن الأحمر  يسألني عدة أسئلة اختتمها بالقول :

أذا( تشتي) مشروعك يقام لابد أن تدخلني شريك معك بالثلت وأن تدفع لي ثمانين ألف دولار شهريا!!.

‏فقلت له لماذا ؟؟ وكل إجراءاتي سليمة ؟؟!!

قال : مقابل حمايتك فقلت له ممن ستحميني وأنا في أرضي ؟؟

فقال إذا لم يعجبك شرطي فلا تحلم أن ينجز  مشروعك ..فقلت لا يوجد لي خيار إلا أن أترك المشروع واذهب لأفريقيا لإقامة المشروع هناك ..!!

‏وأنا راكب في الطائرة كنت أبكى فسألني الأجنبي:  ما الذي يبكيك ؟؟

فقلت له : في بلادي وأرضي ولا أقدر أن أستثمر فيها بل ويأتي هذا الغريب ويتحكم فيها ؟؟!!  فقال الأجنبي  (عندما تتفرقون يأتي من يستعبدكم في أرضكم) !!

فكانت كلماته كالصاعقة نزلت على رأسي !!!

قلت له : إن أشد ما يؤلمني هو شعوري بأنني غريب في بلدي!!)

  والأدهى من ذلك عندما تستوقفك بعض النقاط  لساعات وكأنك من بعض أغنامهم حتى داخل عدن ... بينما يمر مواطنو الدرجة الأولى من المسئولين الجدد من الجانب الأيمن ترافقهم السيارات  العسكرية والجنود المدججين بالسلاح وتنحني لهم الرؤوس وتؤدى لهم التحيات !!

وحين تنظر حولك فتجد من أثرى  ثراء فاحشا بسرعة الضوء مع معرفتك بالكيفية التي كان يعيش بها قبل أن يصبح مسئولا, وحين ترى أموال بلدك  تنهب وتبعثر في الولائم والمؤتمرات وشراء الذمم  وحين ترى طفلة جائعة أو يتيما بلا مأوى يتسول في الشوارع أو أرملة فقدت زوجها  في معارك الوطن المزعومة فأضحت هدفا للرياح السوداء والصفراء ,حينذاك ستصرخ بأعلى صوتك أيها الوطن أطلق على نفسك كل الأسماء ولكن لا تطلق على نفسك اسم (الوطن ) لان الوطن الذي لا يوفر الخبز والكرامة ليس وطنا!!

وأخيرا نقول : يا لصوص الليل ماذا أبقيتم لنا من الوطن؟ حتى نشعر ولو للحظة بأننا لا نعيش غرباءً في أوطاننا وأوساط أهالينا، سنبقى محبين لأوطاننا لأن محبتنا لها نابعةٌ من الإيمان الراسخ، وأنتم ستبقون ما بقيتْ الحياة أعداءً لنا يا من جعلتمونا نشعر بالغربة والوحدة في أوطاننا!!

د. علوي عمر بن فريد