لم تكن المناهج موحدة لكل إمارات الجنوب العربي في الستينات من القرن الماضي ولعل الاستثناء الوحيد من ذلك هي عدن وسنأتي على ذلك لاحقا ..المهم كنا قد أنهينا العام الدراسي في السنة الرابعة الابتدائية في الصعيد ورغم اختلاف المناهج إلا أن امتحانات النقل إلى المرحلة المتوسطة كانت تأتي من الوزارة الاتحادية في عدن وحضر مندوب الوزارة إلى المدرسة وهو الأستاذ محمد صالح عمير من سلطنة الفضلي ونزل في بيت الضابط السياسي البريطاني المجاور للمدرسة ويوم السبت حضر إلى المدرسة ومعه ظروف مختومة بالشمع الأحمر فيها أسئلة الامتحان وكنا في حدود 10 طالب ..ومضى اليوم الأول وعندما سألني أبي عن الامتحان الذي كان في مادة الحساب فقال لي :أذكر لي سؤالا ؟؟!!
فقلت له سئلنا : أيهما أثقل رطل من الحديد أم رطل من القطن ؟؟
فقال أبي فبماذا أجبت ؟؟ قلت له : رطل من الحديد !! فضحك وقال لي :استغفلوك وخدعوك ياغبي !! أنهما متعادلان نفس الوزن !!
وللأمانة أنا لا أحب مادة الحساب ، انهينا الامتحان في نهاية الأسبوع وغادر الأستاذ عمير إلى عدن يحمل إجاباتنا على أن يتم إبلاغنا بالنتائج النهائية وبعد أسبوعين أعلنت أسماء الفائزين كالتالي :
- علي علوي الجفري
- سعيد علي سعيد
- محسن صالح العشلة
- سالم علي لصور
- كاتب السطور
وتم تحديد موعد السفر إلى أبين – زنجبار وتم تأمين سيارة جيب لاندروفر مع صاحبها وسائقها بن نوبه العتيقي وغادرت منزلنا في كورة آل صالح بن فريد برفقة أبي وكنت أحمل حقيبة صغيرة فيها ملابسي وكنا نمشي وأنا أبكي وأنظر خلفي إلى بيتنا وأمي وأختي تطلان من نافذة البيت تبكيان وهذا أثر في نفسيتي
وتم تجمعنا للسفر ظهرا من أمام محطة بوعبد بجوار إدارة المشيخة ، وأوصى أبي السائق بي لأنني أصغر المجموعة وركبت في المقعد الأمامي وودعت أبي ومن حضر من أقارب زملائي وانطلقنا ...كانت الطريق في ذلك الوقت تمر عبر الجبال الشاهقة الصعبة لا أسفلت ولا طرق معبدة مما جعلنا نمضي يومين في الطريق وعندما وصلنا جبل العرقوب قال لنا السائق عصرا : هل تشاهدون البحر الآن قلنا نعم ؟ فقال : أي شخص يشاهد البحر لأول مرة يجب أن ينهق !!
ولم نصدق ذلك ولكن من باب التسلية والمرح نهق بعض الزملاء ..واصلنا السفر واقتربنا من زنجبار ولأول مرة كنا نشاهد عمدان الكهرباء الخشبية ذات المصابيح الصفراء وفي التاسعة ليلا دخلنا مدينة زنجبار ودخلنا إحدى المقاهي وتعشينا ثم نمنا وفي الصباح الباكر توجهنا إلى المدرسة ونزلنا في الساحة الرئيسية وذهب السائق إلى عدن وانتظرنا بعض الوقت حتى دخل الطلبة الفصول ثم توجهنا إلى الإدارة وقابلنا المدير الأستاذ شيخ أحمد شيخ وأذكر أننا عندما سلمنا عليه قبلنا يده وهو يسحبها ويقول استغفر الله يا أبني وكانت تلك عادتنا في تبجيل المعلمين !!
ثم رافقنا أحد العاملين إلى مكتب مدير القسم الداخلي الشيخ المربي القدير أحمد عمر باثعلب وتم توزيعنا على السكن حسب السن والآن سأذكر لكم تفصيلا نظام ومباني المدرسة .
موقع المدرسة :
تقع على بعد كيلو متر من الشارع الرئيسي والسوق المركزي لمدينة زنجبار ومحيط المدرسة طولا وعرضا في حدود2 كيلو متر مربع وتضم المباني التالية :
من الشرق إلى الغرب ملعب كرة القدم ثم مبنى المدرسة الذي يتكون من دورين يضم الدور الأرضي : الصفوف الأولى متوسط أ وب وج والصف الثاني أ و ب ثم مكاتب المدرسين والكانتين وفي البهو مجلات الحائط المدرسية وفي الدور الثاني الصف الثالث متوسط ثم مكتب المدير والمدرسة مدهونة باللون الأبيض وعلى طول امتدادها شرقا وغربا هناك أحواض الزهور الملونة الجميلة والأشجار الباسقة الخضراء المتشابكة والوارفة الظلال وللمدرسة مدخلين من الشرق والغرب !!
كما يوجد شارع يتفرع من الخط العام شمال المدرسة يصل إلى ساحة المدرسة ..وأمام المدرسة من جهة الغرب الساحة العامة الذي يقام فيها الطابور الصباحي العام يليها ملعب الرنج والسلة ثم نتجه غربا ونجد أمامنا المسرح المطل على ساحة منفصلة عن الساحة العامة .. وبجوار المسرح يقع المسبح ثم أشجار معمرة كبيرة وارفة الظلال أمام مبنى القسم الداخلي الذي يتكون من 8 غرف 4 منها لكبار السن و4 لصغار السن من الطلبة وأرقامها من 1 إلى 8 وفي كل غرفة سرر عددها يتراوح من 20 إلى 15 سرير ويوجد مغسلة تقوم بغسل ملابس الطلبة على مدار الأسبوع بالإضافة إلى عدد منشفتين وطراحتين وكيسين مخدة يتم تبديلهما بالتناوب كل أسبوع ...ويصرف لكل طالب أسبوعيا شلن واحد وقطعة صابون !!
وبحوار مبنى الداخلية هناك مبنيان شمالا وغربا فيها دورات مياه واغتسال ..وفي الجنوب للداخلية قاعة للطعام وبجوارها شرقا ثلاث فلل تتكون كل منها من دورين للمدرسين والمراقب العام للقسم الداخلي وفي المنتصف حديقة للصلاة جميلة فيها شتى الزهور ومفروشة بالعشب الأخضر !!
والى اللقاء في الحلقة الثالثة
د. علوي عمر بن فريد