■ كنت في لقاء شخصي مع شخصية سياسية ـ تاريخية ومعاصرة .. هذه الشخصية تتقبلها مهما كانت درجة الاختلاف معها ، وتتقبلك بل تستوعبك ، في الحقيقة هي مختلفة عن معظم من عرفت من السياسيين المصرين على تصدر المشهد السياسي رغم تقادم سنهم ، و حتى اكون واضح اولئك الرافضون لمخرجات الحوار الوطني ، و حل اعادة صياغة الدولة الاتحادية من سته اقاليم ، في الوقت الذي يعلنون فيه تأييدهم " لعاصفة الحزم " و " استعادة الامل " ، وهذا يتناقض بوضوح مع اهداف عاصفة الحزم و استعادة او عودة الامل اليمانية و العربية .
هذه الشخصية التي تبلغني حضورها الي المدينة التي عدت لها ـ الرياض .. بعد سنوات المكلا و حضرموت و التمتع بمناظر الجبال و الاراضي الزراعية الممتدة من سفوح الجبال الي ضفاف واديي شوحم و شعران ـ فضلا عن مداريج الخطم المحيطة برؤوس اوديتها خلف حيودها النايفة ، لم تنسيني الرياض ، ولا ذكريات الشباب و الاصدقاء الذين عرفتهم طالبا في مدارسها ( النهارية ـ و الليلية ) التي تعلم فيها المئات من ابناء حضرموت ، في ستينات و سبعينات القرن الماضي ، فضلا عن ابناء الرياض الذين زاملتهم في المدارس او عرفتهم خلال ثلاثة عقود من العمل في المؤسسات التجارية السعودية .. كنت هناك في المكلا او سيئون ، وحتى في " شعران " وفي لياليها اسامر جبالها النجدية ـ مشدودا الي الرياض كما انا اليوم مشدودا الي المكلا و شعران و خطمتها !!.
نعم ابلغني هذا السياسي قدومه .. و اللقاء اليوم الثاني ، وكنت قد وافقت صديق من ابناء الرياض .. تقاعد عن العمل ويمتلك استراحة اقرب الي المزرعة من حيث عدد النخيل والأشجار المحيطة بارضها الخضراء ، اعتذرت لصديقي قبل عذري على ان اوافيه اليوم الثاني ، وذهبت الي السياسي المخضرم ، لعلي اجد لديه اختلاف في الرؤية يعطيني امل العودة ، وقضى ما تبقى من العمر في شعران .. ولكن الامل فقد في حلول شطرية ـ الفدرالية، لان فدرالية الاقاليم السته تم الانقلاب عليها ، كما حصل الانقلاب على "وثيقة العهد و الاتفاق " ومخاليفها ، وهذه حقائق أقريت له بها ولكن لم اتقبل فكرة الشطرين ، كما لم اتقبل فكرة فدراليات داخل كل اقليم ـ على الطريقة البرازيلية في نسخة سودانية لم تنجح .. بل حولت الصراع بين الشمال و الجنوب الي صراع جنوبي قبلي و مناطقي ، ورغم صبر الرجل على مقاطعاتي بل و مقترحاتي ، فقد قال لا بد من حوار وطني ، ردا على قولي : لا بد وان يأتي يوم تصمت فيه المدافع ، وما بعد صمتها هو الاصعب من الحرب ، لم ينفي ذلك وكرر الحوار ، خرجت من عنده متأخرا و الاسئلة تضغط عليً وتؤرقني ، حوار بين من و من ؟ ، واين حضرموت من هذا الحوار؟ ، ورغم تأخر الوقت .. فتحت الواتس اب ، واذا بثلاث رسائل تبلغني ان صديقي وزملائه سهارى ومنتظرين ، ولديهم من يتشوق للحديث معي ، فوجهت السيارة اليهم لأتسلاء معهم في ما تبقى من الليل القصير هذه الايام .. في ظل ثقل ليلنا الطويل .
□ وصلت اليهم ووجدت بينهم من عرف حضرموت في ايام المد الثورجي ، وهي مرحلة اكسبته تجربة وعقلانية ، اما نحن فما زلنا نعاني من ذيولها و مخلفاتها ، بعد التحية و الاخبار دخلنا في حديث طويل عن ما يحدث في العالم العربي ، و بالذات اليمن و العراق ودور ايران و تمددها في المنطقة وصولا الي الحالة اليمنية الراهنة .. فقال لي : من المتعارف عليه ان أي وقف للحرب لا بد وان يمر بمراحل ، ابتداء بالوساطة ثم التفاوض الذي سيسبق اعلان وقف القتال، و صولا الي اعلان القرار و هل هذا القرار قد تضمن شروطا او دون شروط لأي من اطرافه ، وهل هذه الشروط ستصطدم في مرحلة التنفيذ ام لا ؟ ، و واصل قائلا ..انا بحكم معرفتي بحضرموت و الجنوب اجد ان لا احد لدية رؤية او استعداد لمثل هذه المراحل من سياسييكم .. وفي رايي ان الجهة المؤهلة بصرف النظر عن مدى تماسكها و قدرتها هي حكومة الرئيس :عبدربه منصور ، لشرعيته اولا، و لمساندة التحالف العربي له ثانيا ، بالاضافة إلى كونه الرئيس المعترف به على المستوى الدولي .. وانا كمتابع اجد الجنوبين في وضعهم الراهن ضعفا و ليس لديم ما يقدمونه لقضيتهم ، وهم بضعفهم ـ يضعفون الرئيس منصور ، وبالضرورة هذا يخدم الحوثيين و حلفائهم في الاقليم وخارجه.. مع الاسف .
□□ وافقت الرجل في ما ذهب اليه .. و وافقني في ان التحديات اكبر و اصعب ، وان مشاعر مختلف المناطق اليمانية في الشمال و الجنوب لم تعد متقبلة بعضها بل وربما طغت عليها مشاعر الانتقام و الثارات بما في ذلك الواقعة تحت سلطة الحوثيين و ميليشياتهم .. الامر الذي يتطلب صياغة جديدة للحل ، ولا يبدوا في الافق و لا فيما يتسرب من حلول لدى المندوب الدولي : مارتين غريفيتث أي حلول ناجعة تتجاوز ادارة ميناء الحديدة ..ولكن لا بد من حل وقد يصل الي اعادة التقسيم ، فلا الاقليم سيقبل باستمرار هذا الصراع و لا المجتمع الدولي الذي شغلنا بالمشاريع الجزئية و تجاهل القرارات الدولية وفصلها السابع سيرفع يده عن فرض الحوثين ، رغم ان مصالحه تبدوا في مناطق اخرى ، وهذا يثير الكثير من التساؤلات.. ولا يستبعد ان يكون الحل في التقسيم ، لا الدولة الاتحادية ، و المدخل الي ذلك حوار سياسي يمني .
□□□ حضرموت ..ربما هي اقل المناطق صراعية ، وانا هنا لا اقصد حضرموت المحافظة ، و دعوات تقسيمها الي ساحل و وادي بل الاقليم ، ولكنني اخشى ان خلف هذه الدعوات مخطط لإشغال الحضارم عن ما يجري الاستعداد له ، خصوصا وان المجتمع بات يتوجس خيفة من بروز قوى وجماعات مناطقية في حضرموت .. على اساس استعادة تقسيمات شركة الهند الشرقية في مطلع القرن الماضي ، و التي تمت على يد المستشار السياسي البريطاني: هارولد انجرامس .. وهنا يكمن الخطر وفيه اشغال لحضرموت عن ما يمكن ان يتم في أي مؤتمر سياسي ـ قادم ، و بالضرورة مثل هذه المؤتمرات ستكون سياسية ـ حزبية ..وحضرموت ليس لديها حزب ، وان مثلت ستمثل من خلال تلك الاحزاب ، فهل سيصح ويتنبه هؤلاء المشغولون بوادي و ساحل حضرموت واولئك المصرين على اختصار حضرموت في المحافظة الي ذلك ؟!.
___________________________
▪ اسف و اعتذر عن خلط الذاتي بالعام و الوجداني بالعقلاني ..و الي اللقاء بعد اللقاء بصديقي المعتق .. في حضرموت مره اخرى !!.
*عضو المجلس المحلي حضرموت .. ناشط وكاتب سياسي