في أيام حومة الاغتيالات والتفجيرات والاعتداءات المسلحة على البشر والمباني وانفلات السيطرة التي شهدتها عدن وبعض مناطق الجنوب لأشهر عديدة بعد طرد الحوثي منها منتصف عام 2015م كان كل شيء مستهدفا العسكر والقادة والمسؤلين والمقاومة والقضاة والأساتذة الجامعيين والطلاب ورجال الإغاثة والموظف والصحفي والرسام والفنان والمفسبك وإمام المسجد والمصلين ورواد الحانات والمتنزهين والطفل والشيخ والمرأة والمسافر وعابر السبيل ودور المسنين ومصحات المجانين ومقرات الحكومة والممتلكات الخاصة وأسلاك ومولدات الكهرباء وشبكات الاتصالات والمعسكرات وأماكن الصرافة ...
كان الاستهداف العبثي موجها نحو كل شيء وأي شيء وفي أي وقت من دون مراعاة لحرمة وقدسية أي مكان ولا خصوصية وضع أيٍّ كان ولا تحشيم وإعطاء اعتبار لأي وازع ديني أو قيمة أخلاقية أو ضمير وطني وإنساني ..
وقد كانت الناس حينها نتيجة لذلك في أقصى درجات القلق والتوتر والخوف وعاشت المناطق في حالات شديدة الكرب وساد الوضع عطل كبير أفقد الناس فرحتهم بالنصر وأربك ثقتهم في إمكانية صناعة حياة أفضل مما كان فتعالت الصراخات والاستغاثات والشكاوى من هذا الطوفان العبثي الذي كان يحصد حياة العشرات بل والمئات يوميا هنا وهناك ويدمر ما فات على العدوان الحوثي تدميره ويعرقل تطبيع الحياة في عدن والجنوب المحرر ويجتهد بكل قوة لكي يجعل كل جهود الشرعية والمقاومة والمجتمع الأهلي والتحالف تلف وتدور حول نفسها بلا تقدم ولا نتائج مثمرة .
ولا أريد أن أسترسل وأعيد الى أذهان الناس تفاصيل الاغتيالات والتفجيرات والاعتداءات وجرائم الإخلال بالأمن والتخريب المتعمد الذي عم عدن والجنوب حينها ولكني أريد أن أذكّرهم بشيء أهم من ذلك وهو من هم الذين انتصبوا وتحمّلوا مسؤلية استعادة الإمساك بزمام الأمور والسيطرة على الأوضاع الأمنية المنفلتة بالقدر الممكن في ظل تلك الظروف والأوضاع التي ذكرناها ؟
هل هي الحكومة بأجهزتها العسكرية والأمنية أم غيرها ؟
وهل كان من الممكن أن تتم هذه العملية في مثل تلك الظروف والأوضاع التي تداخلت فيها المؤامرات بالمبادرات حسنة النية والتبس فيها التفريق بين الصديق والحليف والخصم من دون الوقوع في أخطاء وتجاوزات قانونية وإجرائية وإنسانية ؟
ولأن الإجابة عن تلك الأسئلة تكاد تكون واضحة ويعرفها كل من عاش وعانى من ويلات ذلك الوضع وتلك الظروف وعاين وتابع الجهود التي بذلت لتجاوزها ومن هي الجهة التي كان لها الدور الحاسم في الاضطلاع بمسؤلية القيام بها ودعمها وتقديم التضحيات دما وعرقا ومالا فإن كل حديث يقال الآن ويركز على التجاوزات والأخطاء من دون أن يضع اعتبارا لما ذكرناه آنفا هو حديث مغرض وسطحي وبعيد عن الموضوعية والإنصاف أو مثقل بالتأثيرات الطوباوية .
إنني لا أطلب من أحد أن يتوقف عن قول الرأي الناقد ومحاولة السعي لإصلاح الأخطاء والتجاوزات التي يمكن بل ومن المنطقي أن تكون قد حدثت أثناء عملية استعادة الأمن والإمساك بزمام الأمور خلال السنوات الثلاث الماضية من قبل التحالف العربي وعلى الأخص الإمارات والحزام الأمني والنخبة الحضرمية والشبوانية وربما ستحدث مستقبلا وإنما أتأمّل أن يكون النقد ومحاولة الدعوة لإصلاح الأخطاء والتجاوزات على طريقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس على طريقة ولا تقربوا الصلاة .