تحتشد في رأسي عشرات الأسئلة عن ذلك الزمن الجميل وأهله الطيبين رغم أنه ماض لن يعود وقد ولى مع أهله إلا أنه لازال حيا في القلوب!! ؟
لماذا نستجر الذكريات ونسترجع صور الماضي الذي عشناه في طفولتنا ومطلع شبابنا ؟
لماذا نحفر الذاكرة لاستعادة الحياة الجميلة التي عشناها وهي قد ولت مع بساطتها وسعادتها ؟
ولماذا نصف ذلك الزمن بزمن الطيبين ؟
هل فعلا انقرض الطيبون ولم يعد لهم وجود ؟ أم هو حنين لزمن ولى مع أهله ولم يبق منه إلا صورا معلقة في خلايا الذاكرة نستعيدها عندما نتألم بالمشاهد الحية التي تجري أمامنا اليوم؟؟ !!
هل هو هروب من واقع أليم نعيشه اليوم وما فيه من قتل ودمار وسفك للدماء ونهب وسرقة؟ مع ما يرافقه من موت للضمائر وغياب تام للأخلاق والصفات النبيلة التي حل محلها الغدر والخيانة والجشع والطمع !!؟
هل فعلا خلا زماننا اليوم من الطيبين أم أننا لم نعد نرى فيه ما كنا نشاهده في الزمن الغابر من سعادة وشهامة وبساطة ؟
أم أننا مسكونون دائما بالماضي ؟؟ وهل لازالت المقولة الشهيرة عالقة في أذهاننا ( من ليس له ماض ليس له حاضر ) ؟؟
أسأل نفسي ما هي ذكريات أطفالنا اليوم التي قد يعودون أليها مستقبلا ؟ وماذا بقي لجيل اليوم الذي يصحو وينام على أجهزة الايباد والهواتف النقالة.. ولا يتحرك من فراشه إلا لمائدة الطعام ثم العودة لفراشه الوثير!!؟؟
ويعيش أسيرا وحيدا مع تلك الأجهزة ..؟؟ ويعيش حالة انفصال تام عن الطبيعة ربما لوقع الحياة ورتمها السريع !!
كان جيلنا يمشي حافيا يخترق الشوك أرجله وترتطم أصابعه بحجارة الطريق حتى تسيل دماؤه ..ولكنه جيل لا يبكي رغم الألم .. فقط كنا نبكي إذا تفوق علينا رفاقنا في المراكز الأولى والعلامات !!
كنا نسكن بيوتا من طين دون مكيفات.. ولا أجهزة رقمية ..ولا فضائيات كنا نقرأ الكتب والقصص وتتداخل الصور في الذاكرة أجمل من الأفلام السينمائية!!
كانت الذاكرة صافية والأذهان نقية تتخيل وتستوعب كل شيء.
..كنا نشرب من الزير أو من الغروب الجلدية المعلقة في سطوح المنازل وطعمه ومذاقه أطيب مئة مرة من ماء الصحة المعبأ في المصانع ..!!
النساء يذهبن إلى سفوح الجبال في مواسم الأمطار ليملئن الغروب من الشلالات من ماء ( الكرع ) ويشربونه لطعمه المميز وكان العرب يسمونه بالماء القراح !
وفي موسم الأمطار لنا ذكريات في الأودية والسواقي عندما نتسابق أو نسبح في الغدران.. ثم نصطاد العصافير والطيور المهاجرة في مواسم الحصاد !
زمن ولى ولكنه لازال يعزف ألحانه وأشجانه في جدران القلوب ولازالت الذاكرة تردد أصداء وأهازيج الحصاد وطبول الأفراح ومواكب النور وأناشيد الصباح المدرسية .. وترانيم الدعاء في المساجد في المناسبات والأعياد ..
ذكريات ولت لكنها لازالت حية في القلوب .