ثمة حكاية قديمة تتناول أولئك الذين يغلون في تفخيم الذات ويبالغون في قدراتهم الخاصة وملخصها :
إن الشيطان الذكي إذا أراد اصطياد وإغواء مؤمن ما فإنه لا يحرّضه على الكفر والانغماس في شهوات الدنيا بل يشجّعه على المبالغة ومضاعفة النشاط الإيماني أكثر وأكثر بما يتجاوز طبيعته البشرية وإمكانياته الفعلية .. فإذا رآه مواظبا على الصلوات الخمس دفعه الى أداء النوافل ثم عاتبه بأن هذا أيضا قليل حتى يجعله يصلي خمسين صلاة في اليوم ، وإذا وجده مكتفيا بصيام رمضان وجه إليه اللوم بأنه ليس مثل غيره وحرضه على صيام الدهر كله ، وإذا رآه متصدقا بما يستطيع وسوس له بأن ذلك لا يكفي وأن إيمانه أكبر من إيمان الآخرين وعليه أن يصرف كل ما معه في الصدقة ويقترض لسد حاجات الفقراء والمحتاجين وهكذا وهكذا يظل الشيطان يلاحقه بالمزيد من النصائح المفخخة ويظل المؤمن يغالي في تفخيم ذاته ويضاعف على نفسه الواجبات التي تفوق طبيعته البشرية وإمكانياته الفعلية الى أن يصل الى لحظة يمل من كثرة الأعباء ويكل من لعب هذا الدور فيعجز فيها عن القيام بأي شيء وهنا يتركه الشيطان ليبدأ المؤمن رحلة أخرى معاكسة فيخفف شيئا فشيئا من الصلاة والصيام والصدقة الى أن يصل في النهاية الى التوقف عنها نهائيا والانغماس في شهوات الدنيا .
ولعل العبرة من هذه الحكاية ليست بعيدة عن سيل المبالغات والمغالاة التي تواجهنا صباح مساء في التصريحات والكتابات عن المشهد الجنوبي فأولئك الذين يوغلون في الطرح الحماسي وبهرجة تحركاتهم ونشاطهم واستحواذهم الحصري على الحقيقة والجدارة والإخلاص ويتعامون عن رؤية الواقع على حقيقته ويشمئزون من الطرح الموضوعي ويوزعون صكوك الوطنية على انفسهم وجماعاتهم ويقصون الآخرين يرمونهم بتهم التخوين والعمالة والتبعية إنما هم في الحقيقة يكررون الخطوة نفسها في تفخيم الذات ويقودون المشهد الجنوبي الى لحظة يعجز فيها عن القيام بأي شيء وينكص عن كل ما كان قد تحقق له بل ويكفر بقضيته نفسها .
فارحموا الجنوب من شطحاتكم وطنطناتكم يا طواويس .