من المفارقات العجيبة أن أمتنا العربية لا نجدها اليوم بين مصاف الدول المتقدمة التي تقود العالم .
أمتنا أمة" أقرأ "هي آخر الأمم التي تهتم بالعلم والعلماء ، ولم تعطهم حقهم في حياة كريمة ليبدعوا ويعلموا أجيال المستقبل من أبناء هذه الأمة ، التي يضرب الجهل أطنابه في ربوعها |، ولا زالت تتغنى بالماضي التليد، والانجازات العلمية الباهرة التي أنجزتها الأجيال الغابرة في بغداد وقرطبة منذ قرون .. حضارة زاهرة كانت تسطع كالشمس في رابعة النهار، يوم أن كانت لنا حضارة سادت الدنيا ثم بادت !!
ولم يبق لنا منها اليوم إلا الشعارات ،والعلم لا يتحقق بالشعارات .. والتغني ب "كنا" وكانوا أجدادنا ..وترديد شعارات وهتافات " أمجاد يا عرب أمجاد " !!
العلم لن يتحقق بالهوس بكرة القدم في الملاعب ..حتى جعلنا من الرياضيين والمطربين والممثلين أكبر وأعلا شأنا ومقاما من العلماء !!
نعم لم نعطهم حقهم من التقدير والاحترام ..حتى أصبح الناشئة من أبنائنا يسخرون منهم ولم يحظوا بأقل قدر من التقدير والاحترام !!
ولهذا أصبح طموح الناشئة من أبنائنا هو تحقيق الشهرة وجعلوا من هؤلاء المطربين والرياضيين نجوما لامعة وقدوة لهم لتحقيق المال والشهرة .
تراجعت مكانة العلم والعلماء ..وأصبحنا في قاع الحضارة الإنسانية.
إن تدمير الأمم لا يحتاج إلى قنابل نووية ولا صواريخ عابرة للقارات فالكل يعرف دمارها وكلفتها حتى من يمتلكها ،ولكنه يحتاج فقط إلى تدمير العلم والسماح للطلبة بالغش ، وهذا هو حالنا اليوم :
- يموت المريض على يد طبيب نجح بالغش .
- تنهار البيوت على يد مهندس نجح بالغش .
- تنهار الحياة الاجتماعية بمقاييس الغش .
ونحن لا نكلف أنفسنا حتى بالقراءة وأخذ العبر من الأمم التي نهضت وسبقتنا ونحن بقينا " محلك سر "!!
اليابان أرسلت العديد من البعثات إلى مصر في القرن التاسع عشر للاستفادة من النهضة المصرية في العديد من المجالات ، وثابرت اليابان على العلم حتى أصبحت اليوم تنافس أرقى الدول علما وحضارة واختراعات !!
وبقينا نحن العرب في القاع .
وعندما سئل إمبراطور اليابان عن أهم أسباب تقدم دولته في هذه الفترة القصيرة ، خاصة وقد ضربت بقنبلتين ذريتين في مدينتي " هيروشيما " و " ناجازاكي " وخرجت اليابان مهزومة مدمرة في الخرب العالمية الثانية ، ونهضت من جديد قال :
(بدأنا من حيث انتهى الآخرون ، وتعلمنا من أخطائهم ،وأعطينا المعلم حصانة دبلوماسية ،وراتب وزير)
وقد شوهد طلبة يابانيون في حفل تخرجهم وهم يقومون بغسل أرجل معلميهم ، تكريما لهم على مجهوداتهم .
فماذا قدمنا نحن لمعلمينا .. وبماذا كافأناههم ؟؟
الم يكمن لهم أبناؤنا في الطرقات والأزقة ويضربونهم بالعصي ..ويقذفونهم بالحجارة حتى تسيل دمائهم ؟؟
الم يهددوهم بالسلاح إذا لم يتركوهم يغشوا في الامتحانات ..أو لم يكتبوا لهم علامات النجاح؟؟
الم يصبح المعلم مهانا في أوطاننا؟؟
الم يساعد الآباء في ابتزاز المعلمين وتوبيخهم ، إذا حاولوا تهذيب أبنائهم وعلموهم الأخلاق الفاضلة والتربية السليمة ..ونبذ العصبية والقبلية في مدارسنا؟؟
تأملوا الدول كيف نهضت بالعلم ..اليابان بلد فقير في الموارد الطبيعية فلا يوجد لديهم نفط ولا غاز ولا معادن ولا بيئة زراعية خصبة ..فقط زلازل وبراكين ..ولا وجه للمقارنة بينها وبين الدول العربية في الموارد الطبيعية !!
ولكن أين نحن ، وأين هم اليوم؟؟
لقد استثمروا الإنسان ..لقد ربوا أجيالهم على الصدق والأمانة والإخلاص في العلم والعمل .
انظروا إلى سنغافورة التي لا تزيد مساحتها عن 600 كيلو مترا مربعا ، أي أقل من مساحة شبه جزيرة سيناء ، وسكانها أكثر من أربعة ملايين نسمه ..وليس لها موارد طبيعية ، ورغم ذلك تجاوز حجم تجارتها 170 مليار دولار..لأنها استثمرت بناء عقول أبنائها ..وقال رئيسها لي كوان :
" أنا لم أقم بمعجزة في سنغافورة ، أنا فقط قمت بواجبي نحو وطني ،فخصصت موارد الدولة للتعليم ، وغيرت مكانة المعلمين من طبقة بائسة ، إلى أرقى طبقة في سنغافورة ، فالعلم هو من صنع المعجزة !!
هدفي أنتج جيلا متواضعا ،يحب العلم والأخلاق،بعد أن كنا شعبا يبصق ويشتم بعضه في الشوارع "
ونحن في اليمن لا نعاني من قلة المال بل زيادة في عدد اللصوص !!
والسلطة لا تفسد الرجال .. ولكن الأغبياء هم من يفسد السلطة عندما يستحوذون عليها !!
وقد قالت السفيرة البريطانية " جين ماريوت" في تقرير لها عن التعليم في اليمن أمام مجلس العموم البريطاني ما يلي :
(( النظام التعليمي في اليمن ، يؤدي إلى مفارقات مذهلة ، فطلاب الدرجة الأولى من الأذكياء، يذهبون إلى كليات الطب والهندسة ، بينما خريجو الدرجة الثانية، يذهبون إلى كليات إدارة الأعمال والاقتصاد ، وبذلك يصبحون مدراء لخريجي الدرجتين الأولى والثانية ، أما الفاشلون في دراستهم ،يتجهون إلى السياسة ،فيصبحون ساسة البلاد، ويحكمون خريجي الدرجتين الأولى والثانية..أما الفاشلون في دراستهم فيلتحقون بالجيش والشرطة ، فيتحكمون في السياسة ، يطيحون بهم من مواقعهم ، ويقتلونهم إن أرادوا!!
أما المدهش حقا فهو أن الذين لم يدخلوا المدارس يصبحون شيوخ قبائل ، يأتمر الجميع بأمرهم ))
نعم تشخيص رائع للحالة في اليمن وهذا هو حاله اليوم ..الفئات واللوبيات والعصابات والفاسدون والمستأجرون لكل شيء حتى بيع أوطانهم .. هؤلاء جميعا يشكلون حكومة ظل ويمتلكون النفوذ والقوة المالية ..
أو كما قال أحد قادة طالبان في أفغانستان :
" نحن نسمح بمرور قوافل الحمير وهي محملة بالمخدرات ، عبر طرقاتنا السرية في الجبال ، شريطة أن تعود محملة بالأسلحة "
وهذا الأمر ينطبق على اليمن فكل شيء للبيع حتى المبادئ والمواقف تتبدل وفق المصالح ..في ظل سيادة الجهل وإهانة العلم ، وهكذا تستباح الأوطان ،
وتباع بأبخس الأثمان !!!