اتقوا الله فيما يجري في بلادكم, وحكموا عقولكم إن كانت لديكم بقية في العقول ورحمة في القلوب.
أوقفوا هذه الحرب العبثية التي أكلت الأخضر واليابس .. أوقفوا قتل بعضكم بعضا!!
أين الحكمة التي تدعونها وأين الإيمان الذي تتفاخرون به؟
تأملوا العالم من حولكم .. انظروا إلى الشعوب التي أفاقت من سباتها, ونهضت من كبواتها وسقطاتها؟
سنغافورا جزيرة صغيرة ذات رقعة جغرافية محدودة, مساحتها أصغر من جزيرة سقطرى وسكانها أقل من أي مدينة في اليمن, لا يوجد لديها موارد طبيعية لا نفط ولا غاز ولا زراعة ولا تاريخ ولا حضارة!!
كان يسكنها البعوض وتنتشر فيها عصابات الإجرام والقتل والفساد وتسودها الطائفية والعنصرية, فيقتل الناس بعضهم بعضا في الشوارع, ويسودها الخوف والرعب والنهب والسلب.
تخلت عنها (ماليزيا) في أسوأ ظروفها وهيأ الله لها رئيساً (لي كوان يو) من أصلٍ صيني وألغى الاشتراكية وحكمها بالعدل وساسها بالصبر والحكمة أكثر من ثلاثين عاماً وضرب عصابات الفساد وقضى على الجريمة وأنساهم العنصرية والطائفية, ودفنوا الحقد والكراهية واستبدلوها بالعلم وبناء المدارس والجامعات والمعاهد, وامتلكوا زمام المعرفة والصناعة والتقنية .. وخلال خمس سنوات بعد الاستقلال أصبح المواطن فيها أغنى من جاره الماليزي!!
وبعد عشر سنوات أصبح المواطن فيها أغنى من المواطن السعودي!
وحالياً أصبح أغنى من المواطن الأمريكي .. واختفى الفقر من حياتهم!!
ونحن في اليمن شمالاً وجنوباً شعبُ عريق مبدع برع في التجارة والبناء والعمران, ولدينا أكبر مخزون بشري في الجزيرة العربية ونمتلك إرثاُ حضارياً يضرب في أعماق التاريخ.
ويقع اليمن على أهم الممرات المائية في العالم, فيه النفط والغاز والزراعة والثروة السمكية ومقومات السياحة والمناخ الجميل .. ورغم ذلك كله لازلنا غارقون في الجهل والعصبيات ونتفاخر بالأنساب والأحساب والأصول والأعراق والطائفية والعنصرية, ونزرع ثقافة القتل والكراهية ضد بعضنا البعض ونتنابز بالألقاب!!
ولا زلنا ندعي أننا من صنع التاريخ وقاد الفتوحات وأننا أهل الحكمة والإيمان, ومن ناصر الرسول صلى الله عليه وسلم , وأجدادنا التتابعة ومنا الغساسنة والمناذرة والأوس والخزرج.
ونحن نشتم بعضنا بعضا وننتقص من أصولنا وأعراقنا ونخاطب بعضنا بالألقاب العنصرية التي تحط من كرامة الإنسان !!
وقع حكامنا ذات ليل وحدة على عجل في نفقٍ مظلم, ولا زلنا نعيش أسرى ذلك النفق ولم نخرج منه إلى النور حتى اليوم!!
فشلنا عندما كنا دولتين وفشلنا بعد أن أصبحنا دولة واحدة!!
أشعلنا الحروب ضد بعضنا البعض وأزهقنا آلاف الأنفس البريئة من إخوتنا وأبنائنا, وسلبنا ممتلكات أهلنا وسرقنا ثروات شعبنا, وأسأنا إلى جيراننا عندما جاؤوا إلى مساعدتنا خذلناهم وقتلناهم, ورضي البعض منا ببيع اليمن لإيران وجلاوزة الفرس المجوس, وتقمصوا المذهبية ويسعون للانسلاخ من عروبتهم .. سقطت مروءتنا وأهينت كرامتنا في بلادنا وأصبحنا هائمون في أصقاع الأرض نستجدي وطناً أضعناه بحماقاتنا ولازال البعض منا يرفع شعا رات جوفاء: (الوحدة أو الموت) وقد أعماهم الحقد والجهل والتعصب والعنصرية ولازالوا يفكرون بعقليات القتلة والمجرمين, وأنا ومن بعدي الطوفان .. ولم نتعظ ولم نعتبر فيما يجري حولنا ولم نستفد من تجارب الشعوب المجاورة لنا التي نهضت من كبوتها, فأثيوبيا مثالُ حي أمامنا يعيش فيها 80 مليون نسمة تخلت عن الشيوعية ولفظتها وأسقطت (منجستو) وأفكاره ونظامه!!
وتخلت عن الوحدة القسرية مع (إريتريا) بالتراضي والتسامح وحافظت على مصالحها المشتركة مع جيرانها ولم تهددهم أو ترفع شعار (الوحدة أو الموت) !
ولم يسخروا من أصولهم وأعراقهم فمتى نتعظ ونعتبر؟
وختاماً تحية للشعوب الحرة الحية التي أفاقت من سباتها ونهضت بشعوبها وأوطانها, ودعوة صادقة من القلب لكل المخلصين من أبناء اليمن وأناشدهم أن يتقوا الله في شعبهم وأذكرهم أن العنصرية والطائفية وثقافة القتل والحروب بالوكالة لا تبني الأوطان, وأن الغدر والكراهية لا تنهض بالشعوب ولا تخلف إلا الرماد و والصلح خير.
والتسامح والأمن والأمان هي مفتاح نهضة الشعوب, ولن تنهض اليمن إلا ببناء الإنسان حتى يكون في مستوى التحديات والأحداث الجسام.