كنت خارجاً من منزلي قاصداً المنتدى (منتدى الفقيد محمد أحمد يابلي)، وبعد اجتيازي باب بيتي صاحت الطفلة الحبوبة الذكية ثرى شبوطي (لم تتجاوز الخامسة من عمرها): "ياجدو فأر جزع من هنا وربي"، إنها البراءة الممزوجة بالوفاء، لأنها توقفني (أي ثرى) وتقول لي: "هب لي حاجة!!" وسؤالها موجه إلى قصعة بلاستيكية تحوي قطع شوكولاتة وشوينجم مخصصة لأحفادي وغير أحفادي أمثال "ثرى".
ثرى ترى أن بلاغها المقدم لي ينبهني إلى خطورة مرور فار من جانب بيتي، وكأنها تريد أن تقول لي “ما جزاء الإحسان إلا الإحسان”، لم أدرك رسالة ثرى إلا بعد مرور (24) ساعة، أي بعد مغرب الخميس 28 ديسمبر 2017، عندما تردد بلطجيان مسلحان وملثمان، أحدهما يطل على المنتدى من بوابته ويقول لزميله البلطجي الآخر: عاده ماجاش.. هكذا يسرح البلاطجة، وهكذا ينتشر الميري على طول وعرض عدن التي عرفت بفضائلها الأربع:
من دخلها جائعا شبع..
من دخلها عاريا اكتسى..
من دخلها خائفا أمن..
ومن دخلها جاهلاً تفقه..
وكتبت أكثر من مرة في هذه الفضائل التي عرفت بها، وهي حقيقة لا يقر بها إلا فاضل، وأذكر أن الشيخ صالح فريد العولقي قرأ ما كتبت فاتصل بي وقال: ما قلته صحيح يا بن أستاذي محمد أحمد يابلي..
نعم دخلنا عدن ونحن بهائم وفيها تعلمنا وتفقهنا وغادرنا إلى بريطانيا ودرسنا وعدنا بشهادات التخرج..
نعم إنها عدن التي قال فيها محمد عبدالله بن بطوطة (1304 / 1377م):
“أهل عدن أهل دين وتواضع وصلاح ومكارم أخلاق، يحسنون إلى الغريب ويؤثرون الفقير ويعطون حق الله من الزكاة على ما يجب”.
إنها شهادة لعدن صدرت قبل أكثر من (600) سنة، أما اليوم فإنها مرتع للبلاطجة، لأن المخرج عايز كده.. ولذلك جاء المخرج بأوطأ خلق الله، لأن مرحلة الكفاح المسلح في عدن اتسمت بقدر متزن من السلاح وباتزان أكبر في الأخلاق، وكان القادة على قدر من الشجاعة ونبل الأخلاق، وهذا العم سالم يسلم العولقي، قائد فرقة النجدة يأمر بحبس أحد أفراد فرقته لأنه أساء التصرف بالتهديد بالسلاح على مواطن أعزل وأمام بيته، وقال العم سالم: ما أعطيناك هذا السلاح لتهدد به خلق الله، وهذا ليس من شيم الرجال بل الأنذال.. خذوه إلى الحجز!
نقول لهذه الحثالات: لقد أبلغتني الطفلة ثرى قبل أربع وعشرين ساعة: “يا جدو فار جزع من هنا وربي”، وهي رسالة استباقية منها وكأنها تبلغني: يا جدو سيأتيك فأر ولم تقل سيأتيك رجل، ولا داعي للفضفضة لأنها ستكون موجعة.
أقول للحثالات: إن نجيب يابلي قد سخره الله للدفاع عن قضايا المظلومين وفي وجه العرابدة، وإن كان لكم من رد فعل فإنكم ستجدون أنفسكم في مواجهة العزيز ذي الانتقام، وسيمسحكم أنتم ومن جندكم، والعقوبة الربانية ستكون مضاعفة، أي أنه سبحانه سيمسحكم ومن معكم من أهليكم لتكونوا عبرة لمن لا يتعظ..
قد أبلغتكم يا حثالات.. اللهم اشهد!!