مشكلة الشرعية اليمنية هي إنها أصبحت هي ذاتها المشكلة، والعقبة الكأداء في إنقاذ نفسها وإنقاذ البلد، وهل من عقدة أشدّ من أن تجد مريضاً يمنع طبيباً من مداواته، ولا يريد الاعتراف بمرضه.
ومشكلة إضافية للشرعية هي أنها مشبعة بالجهل والبلادة، فإنها أيضاً تتميز بكثير من اللؤم، ونكران الجميل، فكلما امتدت إليها يد لتنقذها فإن أول ما تفعله بعد أن تخرج من حفرتها، هو أنها تسارع لمحاولة الدفع بمن أنقذها إلى ذات الحفرة، وكأنها تنتقم بدلاً عن رد الجميل.
ومشكلة الشرعية، التي يعلمها الجميع، مع الغباء، أنها لا تدرك أنها غبية، ولا تعي حجم مخاطر غبائها عليها وعلى أصدقائها وعلى البلد، ولغبائها هذا كانت سبباً في زيادة معاناة الناس، وفوق الغباء فهي لا تخجل إن هي فعلت أي شيء، إن هي نهبت المليارات من مرتبات الناس، أو دفعت برجالها الأشاوس لقطع الكهرباء والماء، وحتى تسد بيارات الصرف الصحي لإفشال محافظ عينته هي، وهي لا تستحي إن كذبت، أو حتى تعرت ورقصت في شوارع القاهرة، فيما الناس تقتل في الجبهات، والجرحى يئنون في المشافي والبيوت.
ومن عيوب ومشاكل الشرعية أنها عاجزة وهشة، لكنها تعيش حالة وهم غريبة، تصور لها أنها قوة عظمى. ولأن عظمتها تتبخر عند كل تجربة، فقد جعلت من نفسها أضحوكة ومبعث سخرية، وهي تترنح، بعد أن دخلت جبهاتها الخاضعة لها، في بيات شتوي، منذ ثلاث سنوات، رغم ضخامة الدعم المقدم لها، والذي يحوله قادة الشرعية وأمراء الحرب التابعون لها إلى أرصدة مالية في الخارج. وبسبب كل ذلك كان تأخير حسم المعركة وعدم وضع حد لمسلسل الألم الذي يعيشه الناس.
وكارثة الشرعية التي وقعت على الجميع، هي أنها مثلت ابتلاءً لهم، إذ إنهم لم يجدوا غيرها شرعية ولم يجد العالم مفراً من التعامل معها، رغم إدراك وقناعة الجميع بعدم أهليتها لشيء، وعدم قدرتها حتى رعاية مصالحها، ومساعدة العالم الذي التف حولها وساندها كما لم يساند أي سلطة من قبلها في بقعة من الأرض، على إنقاذها وحفظ ماء، لم تعد تشعر بالخجل وهي تراه يراق في كل مكان.
وأما مشكلة «التحالف» بالنسبة للشرعية، فهي أنه ما زال وبعد ثلاث سنوات مجبراً على الالتزام بإنقاذها رغم أن التجارب أثبتت أن أي معركة تكون الشرعية طرفاً فيها، هي معركة خاسرة، حتى وإن انتصرت بداية، إلا أنه سيجد في هذه الشرعية من سيفرط بهذا النصر أو سيبيعه ابتغاء مصلحة ضيقة أو مطلب أناني.
مشكلة «التحالف» أنه جاء بأبناء الأمراء ليقاتلوا ويُقتلوا في صحراء مأرب والساحل الغربي، وهو يدرك أن قادة ألوية وهمية محسوبين على الشرعية، يقيمون في فنادق الرياض ويستلمون مخصصات أولويتهم كاملة، وأن أولاد الفاسدين من قيادات الشرعية يفاخرون بإقامة حفلات أعراسهم في أضخم القاعات وبموائد تكلف الملايين.
وجنوباً، تكمن مشكلة المجلس الانتقالي الجنوبي، ومقاومته صاحبة النصر الحقيقي في الجنوب، أنهما يتعاملان بنية صادقة مع الشرعية تبلغ حد السذاجة، اعتقاداً منهما أنهما يتعاملان مع دولة، وكلما «غرزت» الشرعية في مستنقع سارعا لإنقاذها بدلاً عن الإجهاز عليها كما كانت ستفعل هي بهما لو أنهما طلبا عونها، لذلك كانت الشرعية التي أعادتها المقاومة الجنوبية إلى عدن ووفرت لها الحماية هي الخنجر المسموم الذي طعن المقاومة غدراً، وعمل على تفريخها، وهي التي حاولت وتآمرت على كل جهود تطبيع الحياة وكأن بسطاء الناس من الشيوخ والنساء والأطفال في الجنوب هم من طردوها شر طردة من صنعاء، واجتاحوا غرف نوم قادتها وجعلوهم أذلة مشردين ولاجئين في فنادق قطر والرياض واسطنبول.
مشكلة الشرعية هي أنها نموذج صارخ للمشكلة العصية على الحل بالأدوات المتبعة حالياً، فمن يجرؤ على حل المشكلة كما ينبغي أن يكون الحل؟