لا شك أن تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي كان واضحاً بأنه عبارة عن تشكيل سياسي جنوبي، وليس تنفيذيا أو قوة عسكرية تستطيع فعل ما يمكن فعله ميدانياً.
وبالتأكيد أن تطورات المشهد وزيادة التعقيد فيه تجعل الانتقالي في فوهة نيران بعض الآراء السطحية التي تطالبه باتخاذ خيارات عسكرية لحسم الأمور في الجنوب، وهذا قد يعتبر منطقا غير منطقي، لكون أي خيار عسكري بالجنوب سيقود الى مواجهات “جنوبية جنوبية”.. وهذا إن حدث فلن تقوم للجنوب قائمة.
أنا هنا لا أخلي مسؤولية المجلس الانتقالي مما يجب أن يقوم به وبشكل فوري، ولكن ليس خيار السلاح، لسبب بسيط، وهو أن مفهوم “السياسة” لا يبنى على استخدام السلاح بتاتاً .
وفي واقع معقد ومتداخل كالذي نشهده اليوم، وتتربص أطراف شمالية وأخرى خارجية بالجنوب وأمنه واستقراره، لن يكون السلاح حلا لأي قضايا أو خلافات، بل لو حدث مثلا استخدام السلاح، فإن معاناة الناس في عدن والجنوب ستتضاعف أكثر مما هي عليه اليوم، ولن يكون من السهل إيقاف الحرب ونزيف الدم.
وبما أنه توجد خيارات أخرى لتجنب استخدام السلاح في الجنوب، لمعالجة الاوضاع أو تغييرها، فإنه يتوجب تفعيل تلك الخيارات السلمية التي تجنب الناس الاحتراب، وتحافظ على ما تحقق من مكتسبات جنوبية، وحمايةً للأمن والاستقرار بعدن وبقية محافظات الجنوب.
وفي الحقيقة، إن الحكومة المحسوبة على شرعية الرئيس هادي، لا يهمها استقرار الوضع في عدن، وإن حدثت فوضى ولو بسيطة، فإنها ستكون مباشرة في فنادق الرياض، حيث تتمنى أن تكون بقية حياتها، وما خروجها من الرياض وفنادقها إلا بضغط من التحالف.
غير أن تلك الحكومة صارت مشكلة أمام التحالف سواء عند بقائها في فنادق الرياض، أو عند عودتها إلى عدن، لأن الفشل والفساد متغلغل فيها، ولا يهمها غير العبث لإبقاء الوضع على ما هو عليه، لكي تكسب أكثر وتنفق وتفسد دون رقيب أو حسيب.. وبالوصف الدقيق، تحول مسؤوليها إلى “تجار حروب”، وهو نفس الهدف لقيادات الجيش في مأرب وألوية الشرعية الأخرى.
من هنا فإن المجلس الانتقالي في موقف صعب للغاية، ويحتاج إلى عمل سياسي حقيقي، يكون أوله القدرة على العمل مع التحالف مباشرة، ووضع الخيارات الممكن القيام بها سياسيا تجاه عبث وإفساد الحكومة وتوجهاتها الخبيثة.
وبالمقابل، علينا كقواعد شعبية جنوبية التأني والنظر للأحداث وخطورتها، وإدراك ومعرفة أن العمل السياسي يحتاج إلى وقت وجهد وعمل منظم، قبل الاندفاع في خطوات قد ترتد عكسياً، مع التأكيد على أنه لا مانع من الخروج الشعبي لمواجهة سياسات الحكومة الفاشلة والعبثية.