في الثانية وخمس دقائق من فجر الأربعاء، 29 نوفمبر 2017م، سمعنا في الشيخ عثمان دوي انفجار اعتقدنا أنه في العريش، فيما حسب سكان العريش أن الانفجار كان في المعلا، وأصحاب المعلا ظنوه في كريتر، وأصحاب كريتر ظنوه في المعلا، وكل هذه التخمينات تصور مدى قوة الانفجار الذي حدث.
كل الذي حدث أن عناصر نتنة جاءت بالسيارة ووضعتها أمام مكتب المالية بخور مكسر والموقع مأهول بالسكان ومزدحم بمحلات بيع الخضار وكافتيريات صغيرة وكبيرة ومجاور لمستشفى الجمهورية التعليمي بخور مكسر، وعند الساعة الثانية والدقيقة الخامسة حدث ذلك الانفجار الرهيب الذي دمر مكتب المالية، وطير بكل الآثاث والكهربائيات منها مكيفات تقل عن عدد أصابع اليدين، وأحدث أضراراً بكل المساكن المجاورة، وأحدث ضرراً نفسياً بالغاً في نفوس مرضى مستشفى الجمهورية وكل الطاقم التمريضي والأطباء العاملين في ذلك الوقت، ناهيكم عن مرافقين لعدد من المرضى في المستشفى.
في ظل غياب الدولة الشكلية في هذه الأرض من أرض البسيطة، وأنا هنا أتحدث عن الدولة الشكلية ولا أقصد الدولة العصرية.. دولة المؤسسات.. دولة الرعاية، لأن الذي عندنا هي دولة الجبايات، دولة الحقارات، دولة الحثالات، دولة تصفية الحسابات.. الدولة الرخوة، ومع ذلك غابت هذه الدولة الرخوة، منهم متواجد في الرياض (الرئيس هادي)، ومنهم في المملكة الأردنية الهاشمية، حيث يمتلكون عقارات، ومنهم منصر القعيطي، محافظ البنك المركزي، والبكري، مدير عام مصافي عدن، وهناك من جماعة الشرعية مقيمة في قاهرة المعز التي سجلت أرقاماً قياسية لقادمين من عدن تملكوا عقارات ومنهم من أثث شقتين بمليون جنيه مصري، وأصحاب مكاتب العقارات يسألون كل قادم من عدن يبحث عن عقار إذا أنت مقاومة يا بيه ولا عادي؟، وإذا كانت الإجابة: ذا والنبي مقاومة.. ينشرح صدر صاحب المكتب ويطمئنه بأنه سيبحث أو سيعرض شقة ديلوكس. ولذلك أعود إلى النقطة التي بدأت منها وهي لو أننا في دولة المؤسسات حُصرت كل المساكن المجاورة لمكتب المالية من كل الجهات الأصلية والفرعية وستصل اللجان المشكلة لهذا الفرض أن بين السكان .. حاملاً .. ومرضعة.. ومريض سكر ..ومريض ضغط.. ومصاب بجلطة دماغية.. وطفلاً من فئة سنة إلى ثلاث سنوات.. وطفلاً من فئة 4 سنوات إلى 10 سنوات.. وامرأة.. ورجلاً.. والأضرار التي لحقت بالبيوت المجاورة، ولوصلت اللجان إلى هول ما حصل ولطلعت بتقرير يتجاوز صفحاته المائة صفحة.
لا شيء حدث من كل ذلك.. صدرت إدانات شفوية فقط، وتصوروا أن ذلك كان منتهى الأخلاق، وأنهم بذلك أدوا ما عليهم.. وكل الذي رأيناه على الأرض.. استعدادات لاحتفالات 30 نوفمبر (الذكرى 50) وأناشيد صاخبة واغتيالات هنا وهناك بدم بارد، ورأينا الاغتيالات بالفيس بوك والواتس لأن القتلة المأجورين مثبتون كاميرات على رؤوسهم لتصوير العملية.
أعقب ذلك مظاهرات خرجت في صنعاء منددة بهذا أو بذاك من اللاعبين في مخطط “حدود الدم”، لأن اللاعب الأساسي هو علي عبدالله صالح والآخرون لاعبون فرعيون، لأن كل ما جرى ويجري في عدن ما هي إلا فصول من ذلك المخطط، وجاءت أحداث السبت الماضي في صنعاء لذر الرماد وتصوير البطولة والزعامة دون مقدمات ووسط صمت مطبق من هادي في الرياض، ووسط ترحيب خليجي وخارجي بحركة صالح المفبركة وانكشف الملعوب.
المطلوب الآن إعادة قراءة التاريخ والخروج بنسخة جديدة وأصلية لتاريخ عدن والجنوب والعمل بعقلانية وبروح عصرية ومدنية لإعادة إنتاج اتحاد الجنوب العربي.. الجنوب المحترم.
*- الأيام