كانت القبيلة إلى وقت قريب ،هي الملاذ الآمن للدولة العربية، وتماسك مجتمعها ،عند النوائب والملمات ،وفي اليمن كانت السلطة تسخرها ،ضد بعضها البعض ،عند حصول التمرد والقلاقل والثورات , وقد نجحت الملكيات العربية جزئيا ،في احتواء القبيلة ،فهي متناغمة ومتصالحة، مع الأنظمة الملكية.
أما في اليمن فقد كانت الملكية اليمنية تاريخيا ،تسخر القبيلة كأداة قمع لتدمير المناوئين لها .
وبعد ثورة 26 سبتمبر عام 1962م، أي بعد 55 عاما، من عمر الثورة ،ثبت بما لا يدعو مجالا للشك، أن الصراع في اليمن، هو صراع على السلطة , وأفرزت معادلات أخرى ،ودورات من العنف ،حيث كانت السلطة اليمنية، تقوم بتغذية الصراعات القبلية ،وخلق النزاعات , وفي ظل تلك الأجواء المضطربة، أضاعت القبيلة أعرافها وشيمها القديمة , ولم تعد تتحلى بها , والتي كانت تسيطر بها على أبنائها، خاصة في الجنوب، بعد قيام الوحدة , فنظام الرئيس السابق صالح كان أكثر إدراكا للبعد العشائري والقبلي والطائفي، في تركيبة المجتمع اليمني، وقام خلال حكمه ،بتقديم الامتيازات المادية , والمواقع السلطوية الإدارية والعسكرية للقبيلة في الشمال , التي يتحدر منها ،حتى أصبحت القبيلة في عهده ،هي النظام، والنظام هو القبيلة , كما هي " حاشد " التي كانت تهب للدفاع عن النظام ،إذا تعرض لأي تهديد داخلي ،أو خارجي ،وعندما فقدت مصالحها مع شيوخها ونظام صالح ،وقفت سلبا من الاجتياح الحوثي للعاصمة!!
في حين كان النظام الماركسي في الجنوب، قد عمل منذ البداية إلى تفتيت القبائل الجنوبية، وقام بإضعاف انتمائها، من خلال " اللجان الشعبية " و الميليشيات واللجان الحزبية .. وهمش دور القبيلة تماما ،بل واستعداها ،وتحريض المكونات الغير قبلية ضدها , بحجة المساواة ،ومن واقع أنها كانت مسحوقة من قبل القوى القبلية تاريخيا, واستعانت تلك "القوى الغير قبلية " واستقوت بمقدرات الدولة وصبت حقدها على القبيلة الجنوبية، مستغلة التراكمات التاريخية ،والشعور بالدونية ومركبات النقص الطبقية، وعدم حيازتها للسلاح تاريخيا!!.
ثم قام النظام الماركسي بمساعدتها وشجع القبائل الصغيرة المهمشة تاريخيا ،للثأر من القبائل الكبيرة ورموزها، والاستقواء عليها بسلطة النظام الماركسي ،الذي فجر الصراع الطبقي في المجتمع , وخلفت تلك الصراعات تراكمات كبيرة من الأحقاد في المجتمع الجنوبي .
كل تلك الإرهاصات ،أدت إلى هزيمة الدولة الجنوبية الماركسية ،في حرب عام 1994م من خلال انقسام الدولة والحزب ،بعد حرب 13 يناير عام 1986 م ،وكذلك وقوف القبائل الجنوبية الكبرى مع الغزو الشمالي عام 1994م ،تنفيسا عن غبنها واضطهادها ،من قبل حكومة عدن الماركسية !!
في حين استمال الرئيس السابق " صالح " زعماء القبائل الجنوبية وبعض الشخصيات الاجتماعية الذين تضرروا ،من قبل الحزب الاشتراكي، الذي همشهم واضطهدهم، وتسبب في نزوح الآلاف من أبناء الجنوب ،إلى اليمن الشمالي، ودول الخليج العربية .
وهذا لا يعني أن " صالح " يملك مواهب خارقة، ولكن ظروف الجنوب السيئة ،ساعدته في تحقيق مأربه , وقام بشق صفوف القبائل ،واستغل دوافع سياسية تاريخية، طالتهم في العهد الاشتراكي , وجند بعض تلك الفئات لتزوير الانتخابات، وشراء الأصوات، وقمع الحراك الجنوبي، تحت مسمى الدفاع عن " الوحدة اليمنية " !!
وكذلك زرع عشرات الخلايا النائمة في الجنوب ،قامت لاحقا وسيطرت القاعدة، على أبين وجعار وعزان ،وبعض القرى في الجنوب !!
كما أن النخب الجنوبية والأحزاب السياسية فشلت فشلا ذريعا حتى الآن، وسحب البساط من تحت أرجلهم، ولم يصلوا إلى الحد الأدنى، من التنسيق فيما بينهم ،مما جعل الجنوب اليوم ،ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات المتراكمة، والأحقاد والثارات على مستوى اليمن والله المستعان .