كان يمكن أن يكون من بين هذه الأسماء العدنية الفذة التالية من يفوق لي كوان يو باني نهضة سنغافورة ومن أبرزهم :
محمد علي لقمان – زين عبده با هارون , د. محمد عبده غانم , لطفي جعفر أمان , حسين علي بيومي , عبده حسين الأدهل , محمد علي باشراحيل ،وعشرات الرجال من أبناء عدن، الذين لم تحضرني أسمائهم !!
فعدن قد سبقت سنغافورة ،علما وحضارة، وتمتلك مقومات الدولة بالحدود التي وضعتها بريطانيا ،منذ أن استعمرتها عام 1839م , فعدن تمتلك الميناء العالمي الشهير، الواقع على أهم الممرات المائية في العالم بين الشرق والغرب، إلى جانب الموروث الحضاري الأصيل، وتنفرد بالعديد من المعالم التاريخية مثل : الصهاريج , قلعة صيره , مسجد أبان – مسجد العيد روس – منارة عدن , والمصافي، والمعالم السياحية والأسواق التجارية الحرة، والعديد من الفنادق والمعابد والكنائس التاريخية النادرة !
كانت عدن حافلة بكل الأعراق والأديان، وشاع فيها روح التسامح والتعايش، بين سكانها من كل الأجناس ،بحكم موقعها الهام ،وطيبة أهلها وبساطتهم، وقد قال عنهم الرحالة الشهير ابن بطوطة : " أهل عدن أهل دين وتواضع , وصلاح ومكارم , يحسنون إلى الغريب , ويؤثرون الفقير ويعطون حق الله من الزكاة على من يجب "
كان يمكن أن تصبح عدن بموقعها الفريد ،ونبوغ أبنائها ،وتعدد أعراقها جوهرة الجزيرة العربية والخليج , وكان يمكن أن تكون نموذجا يحتذى، لدولة عصرية، ولكن بريطانيا بسياستها الخبيثة ،أبت إلا أن تدمرها ليس بيدها ،بل بأيدينا نحن ؟
كان الفارق الحضاري شاسعا، بين عدن والمحميات الغربية والشرقية , كانت البداوة والتخلف يضربان بجذورهما في المحميات، بينما عدن قد قطعت شوطا طويلا ،في المدنية والحضارة والسلم الاجتماعي .. كان سكانها مسالمون ..
كانت عدن تنعم بالأمن والاستقرار، وخدمات الصحة والتعليم، والرفاه الاجتماعي،لها برلمان، وحكومة منتخبة ،وصحافة حرة ،في حين كانت مناطق الجنوب الأخرى، تضربها الحروب القبلية والثارات ،فأدرك الانجليز مبكرا تلك الحقائق، وتركوها على حالها ،واكتفوا بمعاهدات صورية مع حكامها ،ولم يقدموا لها يد العون، للخروج من بوتقة الجهل والتخلف .
وعندما قررت بريطانيا الانسحاب تركت عدن فريسة لمن افسد عيشها ودمرها، وهم شريحتان :
1- البدو : الذين أتوا من المحميات الشرقية والغربية .
2- سكان الجبال : الذين أتوا من اليمن.
وأنا هنا لا اقصد من كانوا يحملوا الجنسية العدنية ،من هاتين الشريحتين، بل من وفدوا إليها للعمل ..أي الدخلاء على عدن ،قد يقول قائل: هذه بلادنا ولنا الحق في العيش فيها !!
ولكنني اسألهم : هل حافظنا عليها ؟ هل احترمنا أهلها ؟ هل راعينا الفوارق الثقافية والحضارية بيننا وبين أهلها ؟ وهل سلمناهم المراكز التي يستحقونها؟
طبعا لا ..وقد يقول قائل : نحن أحق من سكانها الذين هم خليط من أعراق وأجناس مختلفة واديان وثقافات لا تنتمي إلينا !!
وارد بالقول : نعم ولكن أولئك القوم مسالمون ومتعلمون وقد ولدوا في عدن ولكن ماذا فعلنا بهم نحن البدو ؟
خرجنا من جبالنا إلى عدن كأسراب الجراد .. وكان يتصدر المشهد فينا " بدو " الجبهة القومية الذين حملوا معهم بنادقهم ورشاشتهم وخناجرهم، واخذوا يغتالون أبناء عدن، في الشوارع والطرقات، ومعهم المرتزقة والحاقدين من جبالية اليمن ،الذين عاشوا في عدن ،واغتالوا زعاماتها ورجال الإعلام والسياسة فيها، وقادة نقابات العمال، وعاثوا فيها فسادا تحت شعارات ثورجية!!
نحن البدو يجب أن نعترف، أننا دمرنا عدن، ولا فرق بيننا وبين الجبالية الحاقدين عليها !!.
وإذا اكتسح الشماليون عدن في حرب عام 1994م ،فقد اكتسحناها قبلهم وافترسناها ،منذ أوائل الستينات، ونقلنا بداوتنا وقبيلتنا معنا ،نقلنا أحقادنا وثاراتنا ،فكيف لمثل هذه العقليات أن تبني أو تعمر ؟؟!!
يجب أن لا نحمل العدنيين أوزارنا وآثامنا ،التي حملناها معنا ،وجلبناها لهم بل هي مزروعة في أوردتنا وجيناتنا !!
نعم جئنا إلى عدن ببنادقنا، وخناجرنا ،وحملنا ثارات كليب، وعقلية الزير سالم ،وحروب داحس والغبراء على ظهورنا !!
وجعلنا من عدن ساحة حرب لتصفية حساباتنا وأحقادنا ،وغدرنا بها وبأهلها، ثم خربناها وجلسنا على تلتها !!!.
هاجر المتعلمون من أبنائها بالآلاف ،وهرب التجار، وأرباب الأعمال والصناعات والأموال، ورجال السياسة والكفاءات، في مختلف المجالات وحل محلهم "العربان والبدوان" ،وأنصاف المتعلمين !!
.. قد يتهمني البعض بالعنصرية ولكنني اعترف أنني بدوي مثلكم وأنا منكم واليكم ويجب أن نعترف بأننا نحن من دمرعدن !!
كنا نغضب عندما يتهكم علينا العدنيون بقولهم : ( يا بدوي يا بو القنازع ) نعم كنا نشبه الهنود الحمر في تسريحة شعرنا وعندما سكن الدهماء منا عمارات المعلا والتواهي وخور مكسر التي اغتصبناها من أهلها أحضرنا تيوسنا ،ونعاجنا معنا ،واتخذنا من شرفاتها وحدائقها زرائب ومرابط لمواشينا !! بدلا من نباتات الظل وأحواض الزهور !!
وأحضرنا موافينا معنا ونشعل النار بالحطب ويشاهد المارة لهب نيراننا كل مساء لتحضير أرغفة الخبز من البر والمسيبلي !!
لم نجلب معنا إلى عدن سوى ثقافة القتل، أقصينا الأحزاب الوطنية، وقمعنا حرية الصحافة ،وحكمنا حزب واحد ثم تصدع ،وحارب بعضه بعضا ،انقلب الرفاق على رفاقهم ،وفرطت السبحة، من قحطان إلى سالمين إلى 13 يناير ومذابحها الشهيرة ثم الهروب إلى الوحدة الخ ..
دمرنا ميناء عدن.. دمرنا جماليات عدن ..ويتحسر من شاهد عدن في الستينات ويشاهد حالها اليوم !!!
هذا هو الفرق بين عدن وسنغافورة وهو الفرق بين المدنية والحضارة والبداوة والهمجية .
*- بقلم : د.علوي عمر بن فريد – باحث ومؤرخ