يخطىء من يعتقد ان ازمة قطر مع الدول العربية كانت بداية لمد حبل الوصال بين الدوحة وطهران مع الاعتراف بان وتيرة تعاون الطرفين في عديد الملفات تسارعت خلال الاشهر الماضية او ربما ماتسارع هو كشف الستار تدريجيا عن العلاقات المشبوهة لتتعرى دون حياء امام الملا من خلال محاولات حكام قطر الهروب الى الامام عوضا عن البحث عن حلول تعيدها الى الصف العربي.
والحق ان ايران ، او الدولة "الشريفة" على حد وصف وزير الخارجية القطري تقاطعت مع الدوحة مرارا في سياسات تدميرية في الشرق الاوسط ، وان كانت ادوات الدولتين قد اختلفت حينا وتتافسع احيانا أخرى، فان جميعها يدور في ذات الفلك الساعي الى : تطييف المجتمعات العربية..
ولئن انبرت القاهرة و الرياض وابو ظبي في لحظة تاريخية فارقة ، لمجابهة الاطماع الايرانية حفاظا على مصالحها الوطنية وصيانة لامنها القومي العربي ، فان قطر اختارت ان تسير في تحالفاتها (الخفية والمعلنة) تلبية لمقتضيات دورها الوظيفي الذي يندرج في اطار مشروع "العثمانية الجديدة" وتعويم الاخوان المسلمين باعتبارهم "الاسلام السياسي الديمقراطي في الوطن العربي"، دون ان تترك الطرف الاخر معتقدة ان اللعب على كل الحبال سيوصلها الى ماتريد او ماتطمع.
لقد افصحت انتفاضات ماسمي "باالربيع العربي" عن خلل بنيوي يكتنف الدولة الوطنية العربية في تلك الدول ، وكانت مؤشرا عن غليان اجتماعي يفتح باب المستقبل على مصراعيه ؛اما باتجاه اصلاح سياسي بناء او باتجاه انهيار شامل يعاد من خلاله تشكيل المنطقة على اساس طائفي وعرقي وفق اطروحات "الفوضى الخلاقة"، الامر الذي اغرى الدوحة وجعلها تعتقد ان فرصتها قد حانت للسيطرة ومد النفوذ من خلال تمكين جماعة الاخوان المسلمين من الحكم في عدد من الدول العربية ، غير ان رياح المنطقة ابت ان تسير في الاتجاه الذي ساق اوهامه للدوحة عزمي بشارة والقرضاوي وباقي منظري الدفع المسبق .
حينها رفضت الدوحة الانضواء في الاجماع الخليجي الذي جاء بالمبادرة الخليجية الى، اليمن والدافع الى الحل تحت مبررات التثوير والتغيير الجذري ، لتضع كل رهاناتها على مغامرات حليفها حزب "الاصلاح" كونه القوة السياسية الاكثر تنظيما في اليمن، ليحاول هذا الاخير بدعم قطري التهام السلطة باستخدام العنف من جهة وكذلك شيطنة الحراك الجنوبي وبقية القوى السياسية والثورية من جهة اخرى . وبالتوازي عارضت طهران حلول اليمن وحاولت ابتزاز السعودية لفرض واقع جديد في البحرين من خلال استثارة الاسلام السياسي الشيعي.
وللاسف فان حركة الاحداث حينها لم تنصف صوت الحكمة ومطالب الديمقراطية ، وذلك لاسباب كثيرة منها الدور القطري الايراني الذي اختلف في ادواته ومسوغاته لكنه تقاطع في نهجه الساعي الى "تطييف المجتمع العربي".
اندلاع عاصفة الحزم كان محطة جديدة في مسيرة الصراع، لكنها محطة شهدت غلبة المشروع العربي ومؤسسات الدولة على حساب طموحات الدوحة وادواتها في المنطقة ، فيما مثلت ثورة يونيو في مصر انعطافة حادة سجلت انحسار المشروع التفتيتي.
لذا فقد كانت قطر وتركيا التي عانى مشروعها خسائر موجعة في مصر وسوريا واليمن، تهدف لتعويم نفسها مجددا عبر حلفائها المحلين في سياق عاصفة الحزم التي جاءت لتواجه المشروع الايراني وادواته في شمال اليمن.
نظريا كان الموقف القطري متناقضا مع حسابات ايران ، لكن يوميات المشهد السياسي اثبتت ان مشتركات الجانبين ظلت اعمق من ان تضيع في وسط الاصطفافات الجديدة.
ولان التحالف العريي نجح بتوزيع مهامه الاستراتجية بما يقبل القسمة على اثنين وبما يمنع الانقلاب ومن خلفه ملالى طهران من فرض السيطرة : فاوكل مهام الساحل وتأمينة من الانقلاب والارهاب الى دولة الامارات في حين اضطلعت السعودية بمعارك الداخل .. فقد استعاد الجانب القطري دوره التخريبي تارة باستهداف تواجد دولة التحالف في المناطق المحررة بعمليات ارهابية وتارة بالنيل من حلفائها المحلين الذين استحقوا ان يتبوأوا مقاعدهم الطبيعية في الشرعية لادارة شؤون محافظاتهم الجنوبية.
اجتماعيا كان السعي القطري يتمحور حول تطييف الحالة الجنوبية بافقها الوطني وتقديمها كحالة سنية يمكن تمييعها وتمييع مطالبها وتسويقها كنقيض طائفي للحركة الحوثية ذات النزعة المذهبية ؛ فكان تلميعهم لقيادات جنوبية محسوبة على الاسلام السياسي وكذلك دفاعهم المستميت في وسائلهم الاعلامية عن جماعات القاعدة والارهاب التي بادر اللواء شلال لمواجهتها تحت مبررات استهداف الدولة "لمقاومة عدن". في محاولة مستمية لاستنساخ "ادلب جنوبية" وجبهة نصرة يمنية ، وهو ما يتحقق اليوم جزئيا في محافظة تعز جراء سياسات الذراع القطري حزب الاصلاح.
اما استراتجيا فلم يرق لطهران او الدوحة خروج حوض البحر الاحمر من كامل حساباتهم لمصلحة محور الاعتدال.. فارادوا ادارة الفوضى جنوبا كي يصنعوا من خلالها موطئ قدم في السواحل الجنوبية.. قبل ان تباغتهم القوات الامارتية وتستعيد ميناء المخا الذي ظن محسن انه سيعود الى ممتلكاته من خلال تسوية مستقبلية مع الحوثي وصالح.
هذه الخطوة الاستباقية اوقدت عمليا فتيل الصراع الذي بلغ ذروته بهندسة القرارات الاقصائية لقيادات الحراك الجنوبي ، وفتح الشواطئ الجنوبية للشركات التركية وبقرارات حكومية كانت على اعتاب التطوير العسكري على منوال القاعدة التركية في الصومال.. وارادت قطر ان تستغل التقارب التكتيكي بين الرياض وانقرة لتدفع نحو تمكينها من السيطرة عبر ادواتها على عدن وباب المندب .
لكن انفجار الازمة القطرية بين الدوحة وبين الرباعية العربية اعاد الاصطفافات الى موقعها الطبيعي.
ومن خلال متابعة التحولات الاستراتيجية القطرية وما ترافق معها من خطابات اعلامية يمكن لنا ان نقول ان طهران والدوحة انتقلت من مرحلة "تنافسية الادوات ووحدة الاهداف" الى مرحلة "واحدية الوسائل والاهداف".
وعليه فان محمد الحوثي اعلن انحيازه التام للجانب القطري في الازمة الاخيرة ، وبدات جبهات الاصلاح في مريس وشبوة - مثلا - بالتراخي لمصلحة الحوثيين كما زادت نسبة التعاون الاقتصادي والمالي بين مارب وصنعاء واخذت كل الاطراف تجاهد بغية تصدير الازمة الى عدن ..الى جانب الحملات الاعلامية التي تقودها الجزيرة دون اي اعتبار لخطابها المؤيد للتحالف قبل بضعة اشهر..فاما وانها كانت متورطة بالتزييف طيلة الفترة الماضية او انها متورطة بالتزييف طيلة هذه المدة.
في نهاية المطاف فان كل ما فعلته الازمة العربية مع قطر هو كشفها الستار عن مايمكن ان نسميه حبال قطر الممتدة الى طهران ووكلائها ولعب الدوحة على اكثر من حبل معتقدة انها اذكى واكثر دهاء من الآخرين وهو ما اوصلها الى طريقين لاثالث لهما فاما مع الاجماع العربي والخليجي والالتزام بقيم وأمن واستقرار اخوتها او الاستمرار في طريق وضعت عليه بنفسها اكثر من لغم وربت على جنباته اكثر من تنظيم ارهابي وهو ماسيوصلها الى الاحتراق بنار لطالما لسعت بها مصالح وشعوب عربية شقيقة.