إعلان الأقاليم الذي سيدشّنه رئيس الوزراء اليمني، أحمد عبيد بن دغر، في المكلّا، خلال زيارته لها ، وكذلك إعلان تدشين الإقليم الآخر في مأرب، يذكّرني بمثل شعبي نصّه "ليقال إن مع حمادي شقاة"، والشقاة بالتاء المربوطة هم العمال باليومية.
فحمادي صاحبنا كان أجيراً وفقيراً، ولديه بستان صغير لا يتعدّى طوله الأمتار، يقع بعيداً عن القرية التي يسكنها، فيما الحقول المجاورة لبستانه شاسعة المساحة طولاً وعرضاً، ويعمل في زراعتها العشرات من العمّال، فأحبّ حمادي صاحب البستان الصغير تسجيل حضوره واعتباره واحداً من كبار ملّاك الأرض، ولتحقيق هذه الغاية والمكانة طلب حمادي من زوجته طباخة كمّيّات كبيرة من الطعام، وتوزيعها في أوان كثيرة يحملها معه كلّ صباح، ويمرّ بها أمام أهل القرية، فيظنّ كلّ من يرى عددها الكبير بأن بستان حمادي لا يقلّ مساحة وسعة عن بقية الحقول المجاورة، ويعمل فيه عشرات "الشقاة" الأجراء باليومية، والذي يحصل بحسب عرف القرية كلّ واحد منهم على قصعة طعام خاصّة به، يقدّمها صاحب البستان يوميّاً لكلّ أجير.
زوجة حمادي المغلوبة على أمرها نبّهته مراراً إلى أن هذا التبجّح ثمنه غال وعواقبه وخيمة، لأنّه يستنزف مدّخرات الأسرة من الحبوب المخزونة لمدّة عام في أيّام وأسابيع قليلة، غير أن حالة النشوة والشعور بالزهو الذي كان يراه حمادي في عيون أهل القرية لدى محاولتهم عدّ أواني الطعام الكثيرة، محمولة أمامه على حماره، فاق أيّ حسابات أخرى لديه.
مرّ الأسبوع الأوّل وأيّام أخرى من الأسبوع التالي، وأعلنت زوجة حمادي نفاد الطعام من المنزل، ليجد حمادي نفسه مضطراً لبيع البستان الوحيد الذي يملكه مقابل أقداح من الحبوب تعدل نصف المخزون الذي كان يملكه، لمواجهة شبح الموت جوعاً.
فالخطوات السياسية لا يمكن أن يتمّ اتّخاذها عناداً، ولكي يقال بأن "مع حمادي شقاة"، ودون مراعاة لوجود مقوّمات بقائها، غير أن الفعل السياسي للنخب اليمنية مصاب بحالة عقم عجيب، لأنّه ببساطة قائم على تدوير الوجوه المشكلة عينها، والتي لا يمكن البتّة أن تكون جزءاً من الحلّ، وتبقى براجماتية حمادي بجزئية بيعه للبستان طريقاً فرعيّاً لأيّ سياسي يمني يرغب في أن يتطهّر من أدرانه، عبر شرائه مفكّرة من أقرب مكتبة لمنزله، تلزمه في ما بقي له من سنون لتدوين مذكّراته، دون التفكير بنشرها مستقبلاً.