يبدو لي بأن التسوية السياسية في اليمن ستتم فور انتهاء المصالحات الشمالية - الشمالية الجارية، وعلى أكثر من صعيد، وبأشكال وصور عدة (سرية وعلنية) رغم كل ما حدث مؤخرا في صنعاء ورغم بقاء التوتر على حاله، ولن تتم قبل ذلك في تقديري، وهو ما سيعجل بتفاهم واتفاق الدول المعنية والأمم المتحدة بعد ذلك على الحل والتسوية المنتظرة، فالجميع قد أنهكت قواهم وإمكانياتهم ويبحثون عن مخرج مناسب ومشرف لهم ويضمن للبعض منهم ما كان قد خطط له سلفا!.
أما إذا سارت الأمور باتجاه المجابهة الشاملة بين قوى الانقلاب فإن من شأن ذلك تعقيد الأوضاع أكثر مما هي عليه وزيادة منسوب العنف والدمار ومضاعفة حجم الكوارث الإنسانية المتعددة التي يعاني منها الجميع في اليمن.
والسؤال المنطقي الذي يطرح نفسه هو أين الجنوبيون وبكل ألوانهم ورؤاهم ومواقفهم السياسية ومواقعهم في خارطة المشهد العام وفي الجنوب على وجه التحديد من كل ذلك؟!. وكيف سيواجهون وبجدارة وحسم الموقف الشمالي (الموحد) إن حصل قريبا وعلى غير المتوقع حدوثه، وإن بدت المواقف متباعدة إلا أن أغلبها يندرج ضمن توزيع وتبادل الأدوار التي يجيدون حبكها، لأن الجنوب والموقف المعادي لقضيته هو ما يوحد أغلب القوى القبلية والسياسية هناك أكثر من أي شيء آخر، وفي مقدمتها قوى النفوذ والأطماع والاستبداد، وما هي خططهم والبدائل المتاحة أمامهم للانتصار لقضيتهم وهي كثيرة بكل تأكيد في إطار هذه التسويات التي لن تكون مرضية للجنوب إن غاب الموقف الموحد، وكيف سيتصدون لذلك وبنجاح دون هذا الموقف الجنوبي الفاعل والمتفاعل بوعي وإدرك لكل ما يعد في المطابخ السياسية والذي يستشعر ويقدر حجم المخاطر المحدقة بالجنوب وقضيته الوطنية، ويستند إلى قاعدة التفاهم والتوافق الوطني المسئول وتوزيع وتبادل الأدوار، وهو الأمر شبه الغائب مع الأسف حتى الآن أو أنه لا يرتقي إلى مستوى التحديات المنظورة وغير المنظورة؟!.
إن عملا وطنيا جادا وعاجلا ينتظر الجميع وهو ما ينبغي أن يدفعهم وبقوة للتنازل لبعضهم البعض في سبيل قضية وطنهم وشعبهم، وهنا فقط يثبت الكل مصداقيتهم الوطنية بعيدا عن لغة البيانات وتسجيل المواقف المرسلة ومفردات الشعارات التي لا تتطابق مع المواقف العملية، وتبين في نفس الوقت حجم المسافة بين الأقوال والأفعال عند البعض، والتي لن تكون مقبولة في هذا الظرف الدقيق والحساس والخطير جدا على القضية وأهلها إن هم تجاهلوا كل ذلك أو فضل بعضهم المشاهدة المريحة من على منصة الانتظار القاتلة!.