«تأصيل النضال وقيمية ومبادى الثورة أهم بكثير من انتصارها؛ فالنصر الذي يتحقق بالغدر والخيانة وسفك دماء الأبرياء هو نصر أعمى آني سرعان ما ينهار ويتلاشى في أول اختبار وأبسط منعطف، ويتحول إلى نقمة تأكل أصحابها. لماذا؟ لأن ذلك النصر فقد أهم أركانه، وهي المبادئ والقيم والثقة؛ فالثوار المنتصرون بالوسائل الخسيسة يفقدون الثقة في ما بينهم، وبفقدانها تتحرك عجلة الصراعات البينية، وفي التاريخ عشرات العبر».
بهذه الكلمات والجمل بدأ المهندس، عبد الله أحمد حسن، ندوة كان يشرف عليها بشكل يومي في منتدى المهندس بديوان أفرده لهذا الغرض. هو رفع مستوى الوعي القيمي إذاً لدى أعضاء الحراك الجنوبي من خلال الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار. همٌّ اطلع به المهندس عبد الله الضالعي كما كان محبوه يطلقون عليه. تعرض المهندس للملاحقة، وزُجّ به في السجن لمرات عديدة؛ فهو من أوائل القيادات التي انخرطت في الحراك الجنوبي، وشارك في غالبية فعالياته واجتماعاته في حضرموت ويافع وأبين وعدن والضالع.
كنت استمع باهتمام كبير إلى خطاب مغاير ومفردات جديدة يطلقها المهندس في لقاء جمعني به في المنتدى التوعوي الذي افتتحه في جزء من منزله بالضالع، ولا زلت أتذكر استرشاده بأحداث التاريخ لإقناع مستمعيه بأن القيم الثورية أساس مهم لنجاح أي ثورة. ومن بين ما قاله يومها: «إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان أقوى من معاوية رضي الله عنه عدة وعتاداً، وأكثر ذكاء وشجاعة وعلماً، وكان بإمكانه تحقيق النصر بالقليل من المراوغة، لكن الإمام كان دائماً ما يرفض، لماذا؟ لأن النصر - لدى الإمام - إذا لم يواكب الحق ويعتلي صهوة المروءة والنبل ويتوشح الطهر والعدل هو نصر بليد ناقص، الهزيمة خير منه».
ويتابع المهندس استرشاده الرائع، محاولاً إقناعنا بأن القيم لا تتجزأ ولا تتبدل، وهي كذلك في أي زمان ومكان. يقول: «قد ينتصر فصيل في سوريا على سبيل المثال، ويصل إلى سدة الحكم، ولكن هل يمكننا أن نصف ذلك الوصول بتلك الوسائل نصراً». يعلو هنا صوت المهندس: «يا شباب الجنوب، قد يقول بعضكم أو أكثركم إن المقارنة ظالمة والشاهد بعيد ومختلف، وأرد عليكم بالنفي، لماذا؟ لأن الشعوب والثورات على مر التاريخ تسلك ذات المسالك والطرق، وإن اختلفت ألوان أطراف الصراع، فمعرفة ماهية الطريق الذي نسلكه لنيل النصر مهمة للحفاظ على النصر».
كان المهندس عنيداً دائماً، وذلك العناد من المآخذ التي كانت تحسب عليه، فكل عمل أو إجراء يقدم عليه الحراك كان للمهندس عليه غالباً ملاحظات؛ فهو كما أسلفت لا يرضى إلا بالكمال، والكمال للخالق وحده. ومع ذلك، وعلى الرغم من أنه كان دائماً ما يضع شروطاً لأي تسوية داخلية واتفاق، إلا أنه كان واثقاً من أن النصر قادم لا محالة.
دفع المهندس عبد الله أحمد حسن ثمن مواقفه غالياً؛ حيث سعت السلطات إلى التضييق عليه في عمله، وقامت باعتقاله أكثر من مرة، ووضعت اسمه في قائمة المطلوبين بتهمة الإساءة إلى الوحدة والدعوة إلى الإنفصال. رافق المهندس، الزعيم حسن أحمد باعوم، بداية انضمامه للحراك الجنوبي، وتحمل أعباء ذلك الخيار. عام 2011، غادر المهندس الضالع صوب ساحة الشهداء بالمنصورة، ليكون وسط الغمار، وكان يقضي الساعات الطوال في الساحة، يرشد الشباب ويوجه القيادات إلى اتخاذ القرارات الصعبة في ذلك الوقت الصعب، لأنه كان، عليه رحمة الله، «رجل المهام الصعبة بامتياز»، كما يقول محبوه.