دنبعة D3

2017-08-23 12:47

 

خرج محمود عبد العزيز، من السجن بعد انقضاء فترة محكوميته، بـ«المؤبد 20 عاماً مع الشغل والنفاذ» ليتفاجأ بشريكه الذي أصبح مليونيراً يهبه مبلغاً كبيراً من المال نظير كتمانه وإخلاصه وعدم الوشاية به، وتعويضاً عن أجمل سنوات عمره التي قضاها في السجن؛ حمل محمود الأموال وراح يصرفها ببذخ كبير علّه يعوّض عبرها ما فاته من مُتع الدنيا؛ فاشترى منزلاً فاخراً واقتنى مجموعة كبيرة من الملابس غالية الثمن ومن أطايب الطعام، أكل كل ما كانت نفسه تشتهيه أيام سجنه وفاقته.

غير أن كل هذه الأشياء من متع وأطايب وبذخ، لم تستطع جلب ولو بعض شذرات السعادة إلى نفسه، وبحثاً عن الراحة النفسية التي بدت غائبة عنه تماماً بحضور المال، فكّر محمود، أنه رُبّما بالانتقال إلى جناح خاص في واحد من أرقى الفنادق التي لا يقصدها إلا رجال المال وكبار الساسة، سيحصل على راحة البال وجزء وإن يسير من السعادة التي سمع كثيراً بأنها لن تتحقق إلا بوجود المال الوفير

أيام قليلة وترك محمود الفندق ولياليه الحمراء سأماً وضجراً، وذهب يسأل نفسه ويقارن بين حاله في السجن وبين ما هو عليه اليوم من ضيق وهم لا يعرف له سبباً ولا لدفعه طريقاً؛ فجأة وبينما هو كذلك هدته ناصيته إلى حلّ جذري لمشكلته، شرع فوراً بتنفيذه، فقام بشراء قطعة أرض واسعة أحاطها بسياج وأسلاك شائكة، وأحضر شركة مقاولات كبيرة طلب من المهندسين فيها أن يبنوا له - في أسرع وقت ممكن – «أنموذجاً» مطابقاً تماماً للسجن الذي قضى فيه عشرين عاماً من عمره؛ وعبر معارفه في السجن الحكومي حصل على عناوين كثير من زملائه الذين كانوا معه في السجن واستأجر لذلك محامٍ كلّفه بالذهاب إليهم واحداً واحداً ليعودوا معه إلى سجنه الخاص الذي ابتناه من ماله، برواتب مغرية، وحرص أشد الحرص على استئجار السجّان الذي كان يسومه سوء العذاب أثناء فترة محكوميته، طالباً منه معاملته بنفس الطريقة الساديّة وسبّه بذات الألفاظ التي كان ينعته بها في السجن الحكومي، بل وأمره بضربه بذات القسوة القديمة وتنظيف مراحيض السجن وحجزه لإيام في زنزانة الإنفرادي دون طعام، إلا من زاد قليل يُركل إليه بأقدام السجّان.

كلما شاهدت هذا الفيلم «سوق المتعة»، للمثل محمود عبد العزيز، تمنّيت لو أن قيادة «التحالف العربي» تشاهده، وتعيد مشاهدته مرات ومرات، لتعرف أن «دنابيع الرياض» كلهم محمود، وهم لا حول لهم ولا قوّة، فهم قد استمرأوا مذلّة «عفاش» لهم طيلة 20 عاماً، فأصبح سوق متعتهم الوحيد صنعاء، ومصدر لذتهم وموقع سعادتهم الوحيد تحت أقدام صالح، ولو خيرّهم «التحالف» ومنحهم المليارات واستأجر لهم جزراً في أجمل بقاع الأرض لوجدهم «التحالف» بعد شهور قليلة وقد شدّوا رحالهم خلسة، واحداً واحداً، إلى الحصبة بانتظار مرور الزعيم ليكتحلوا ويستمتعوا برؤية محيّاه، الذي يعادل في أعينهم الدنيا وما فيها، فالعبودية عند مَن أدمنها سعادة وهناء ومتعة لا يشعر بها إلا من ذاق مرارتها وذلّها، ولو أن صالح مات أو قتل لرأيت «دنابيع الرياض»، يتخطفون بعض ثيابه يشبعونها لثماً وشمّاً مصحوباً بالنحيب في مراحيض الفنادق، التي لم ولن يشعروا فيها بالسعادة مطلقاً، وإن أنزل عليهم «التحالف» مائدة من السماء.