صورة تعبيرية من أرشيف شبوه برس
قدموا تضحيات نفيسة في سبيل الحرية والكرامة (1) جرحى المقاومة الجنوبية بعدن.. آهات تتعالى وحقوق مصادرة
منذ أن تراهم من الوهلة الأولى يبعثون في نفسك حزنا عميقا، يشوبه شيء من الأمل والإصرار، لا تكاد تصدق بأنهم يخفون أوجاعهم بصمت عن الآخرين، تتكلم معهم تشعر بمدى ضعفك تجاههم، تسمع منهم حكاياهم ونضالاتهم، ولا تستوعب بأنهم لا يزالون يبتسمون بصورة يحدوها الأمل الكبير.
تقول للجريح: أمحق أنت بكل ما فيك من ألم؟!، وما تبقى في جسدك من أثر الرصاص وسموم شظايا القذائف، أخبرني.. يا من ضحيت بروحك كيف استطعت أن تتجاوز كل ذلك الألم والوجع، بهذا الأمل والإصرار والتحدي.
حقيقةً رأيت بأم عيني شبابا في مقتبل عمر الزهور ناضلوا واستبسلوا في الحرب الأخيرة التي شهدتها عدن، وبفضل هؤلاء أصبحت عدن محررة بإرادة نفسية، ودعوة طاهرة، رُفعت إلى البارئ ولم ترد خائبة.
شباب حدثوني عن حجم المعاناة التي تجرعونها بالامس ولا يزالوا بعد مشاركتهم بالدفاع عن حياض الأرض والوطن.
وناضلوا في سبيل إستعادة نسائم الحرية والتحرير، وباتوا اليوم مقعدين ومُهملين يتجرعون ويلات تجاهل الجهات المعنية، ويعانون بصبر جميل شظف الحياة والاوضاع القاسية، في وضع مشحون بألوان من المعاناة والحكايات المؤلمة.
في صبيحة يوم الأربعاء الموافق 22/4/2015 م، سقط عدد عدد من الجرحى المقاومة الجنوبية إثر بلوغ الإشتباكات حدتها في مديرية خورمكسر (الأحمدي) وسط العاصمة عدن، بين أبطال المقاومة الجنوبية ومليشيات الحوثي وصالح لجماعات الانقلابية، كان من ضمن الجرحى البطل أحمد صالح أحمد الزهري، حيث تعرض وهو في الخط الأمامي للمواجهة لثلاث طلقات نارية استقرت إحداها في رجله فيما اخترقت الأخريان بطنه وصدره (الجانب الأيمن)، هذا ما رواه لنا الجريح بصوت لا يكاد يُبين فيه شدة المعاناة والألم التي قاساها.. ويضف قائلاً: "أُصبت في تمام الساعة العاشرة صباحًا، حينها حاولت جاهدًا أن أسحب نفسي رغم كل الألم الذي كنت أشعر به، لم يتمكن أحد من إسعافي نظرًا لخطورة الموقع، وصديقي من حاول إنقاذي أُصيب هو الآخر في إحدى يديه وإحدى رجليه، بقينا في موقعنا حتى الساعة الواحدة ظهراً إلى أن أتت إلينا مدرعة قادمة من حي المدينة البيضاء حينها تم إسعافنا إلى مستشفى الجمهورية التعليمي، وفيه أجريت لنا الإسعافات الأولية وظللت فيه لأربعة أيام للعلاج، ونتيجة لازدحام المستشفى بالجرحى وانعدام الإمكانات الطبية تم نقلي إلى المنزل، ليتم نقلي بعد ذلك بستة أيام تقريبًا إلى مشفى أطباء بلا حدود، حيث أجريت لي عدة عمليات، وعمل "بيبات بمنطقة الصدر" لاستخراج ما تبقى من سموم الرصاص الموجودة في جسدي، مكثت فيه لنحو شهر، كان العلاج فيه مجانًا.. ومنّ الله علينا بالنصر والتحرير في ليلة القدر، وكانت فرحة النصر هي من جعلتني أتناسى مدى ألمي ومعاناتي".
ويضيف: "قبل سنة كنتُ على تواصل مع وكيل محافظة عدن لشوؤن الشهداء والجرحى علوي النوبة الذي قال لي "بأنه سيتم استكمال علاجي على نفقة مركز الملك سلمان للإغاثة"، وبواسطة الوكيل النوبة تم إحالتي إلى مستشفى البريهي التخصصي وفيه تم عمل أشعة وعند مراجعتي للطبيب المختص فيه وبعد معاينته لنتائج الأشعة أفاد بوجود شيء بصدري، وأوصاني بالذهاب إلى دكتور آخر متخصص خارج المستشفى وعلى نفقتي الخاصة، حينها أخبرت النوبة بما قاله الطبيب، وكان رده "سنعمل على تحويلك إلى مستشفى صابر ولم يتواصل بعدها معي".
4000 دولار سقف علاج أي جريح
وأوضح الجريح الزهري في سياق حديثه لـ«الأيام» أن وكيل شوؤن الشهداء والجرحى كشف أن 4000 دولار هو المبلغ المحدد لعلاج أي جريح (إصابة مفتوحة)، وهو السقف الذي تم رصده من قِبَل مركز الملك سلمان للإغاثة في المستشفيات الخاصة بالعاصمة عدن وهي: (البُريهي، صابر، النقيب، الوالي).. مضيفًا " بقيت فترة على هذا الحال حتى رمضان الماضي ونتيجة للصيام زاد الألم بي، الأمر الذي اضطررت بموجبه إلى الذهاب إلى مستشفى الجمهورية، وفيه أكدت الفحوصات وجود سموم وأشياء أخرى يعاني منها صدري، وصرف بموجبه ليّ 14 حقنة الواحدة منهن بقيمة 1000 ريال، ومن حسابي الخاص، كما أن الأشعة المطلوبة لحالتي لم تتوفر بأي مشفى بالمحافظة"..
ويواصل: "لقد استقبل مستشفى الجمهورية بعثة سودانية وأملت فيها خيرًا لإجراء هذا الفحص غير أنها كانت تفتقر إلى وجود اختصاصي صدر وآخر باطني.. بعدها تم تشكيل لجنة طبية في مستشفى السل بمديرية المنصورة، حيث تم تسجيلي بمعية زملائي الجرحى بغرض تسفيرنا للعلاج في الخارج، وقد رُفعت الكشوفات والتقارير الخاصة بها للمحافظة والوكيل النوبة والذي قام بدوره بإعطائنا أوراق خاصة للحصول على جوازات مجانية، وبالفعل تم صرف الجوازات لنا، غير أننا تفاجأنا بإسقاط أسمائنا بذريعة أنه تم التلاعب والتشكيك فيها، وكان ذلك بتوجيهات من وزرير الدولة هاني بن بريك آنذاك".
واختتم الزهري حديثه لـ«الأيام» بالقول: "لقد عملنا على تقديم ملفاتنا إلى أكثر من مكتب ولم تُصرف لنا أي مبالغ مالية، وعند ذهابنا إلى مكتب الصرف أخبرونا بأن الصرف يتم للمقعدين فقط، في الوقت الذي فيه بعض منا مُقعد ولم يُصرف له أي مبلغ، ومن هنا وعبر «الأيام» نُطالب بسرعة علاجنا ونقلنا إلى الخارج حيث إن جرحى التحالف تم نقلهم للخارج وتلقوا العلاج، أما نحن فلا يوجد مكتب ولا جهة تهتم بشؤوننا، وبتنا لا ندري إلى أي جهة ننتمي، على الرغم من تقديم ملفاتنا لأكثر من جهة مسؤولة".
*إهمال ووعود كاذبة
محمد سالم محمد صالح - جريح أخر، أصيب في تمام الساعة الـ 11 من مساء السبت الموافق 9/5/2015م بمنطقة الصولبان (العريش) بخورمكسر، يقول وهو يسرد قصته لـ«الأيام»: "اندلعت عملية اشتباكات قوية في منطقة الصولبان وأصبت جرائها بشظايا قنابل ورصاص في رجلي اليسرى، ولم يتمكن أحد من الزملاء من إسعافي نظرًا لضراوة المواجهات، وظللت خلالها أحاول الانسحاب حتى تمكنت من تجاوز حاجزين كانا بالقرب مني والوصول إلى مقر المقاومة القريب من موقع الاشتباك، وتم إسعافي حينها بواسطة المصفحة إلى مستشفى الوالي (الخاص) وفيه أجريت لي الإسعافات الأولية فقط، ثم تمت إحالتي إلى مستشفى 22 مايو بالمنصورة، ومنه إلى منظمة أطباء بلا حدود حيث أجريت لي ثلاث عمليات جراحية لإحياء العروق، ومن ثم بتر الرجل المصابة".
ويضف بمرارة: "شاركت في أكثر من جبهة كالعريش، حُجيف، خورمكسر، وحاليًا مستعد لأن أخوض في معارك أخرى رغم إعاقتي، ومع هذا لم نلق الاهتمام من الجهات المعنية، ففي الفترة الماضية تقدمت بالملف الخاص بي إلى الوكيل علوي النوبة منذُ 5 أشهر وطيلة هذه الفترة لم ألق من الوكيل إلا الوعود فقط، في الوقت الذي قد سلمت فيه الجواز الخاص بي إلى الوزير هاني بن بريك".. ويواصل: "ظروفي المعيشية صعبة للغاية فأنا أب ومسؤول عن زوجتي وابني، ففي فترة ما قبل الحرب كنتُ أعمل في العمل الخاص (عضلي) من خلاله أعيل الأسرة وأوفر قيمة إيجار السكن، وحاليًا وضعي الصحي لم يمكنني من العودة لمزاولة العمل العضلي.. وعبر الـ«الأيام» أطالب الدولة بتوفير راتب شهري لي ولعائلتي لنتمكن من العيش بكرامة".
*رواتب وفق المحسوبية
الجريح عمار شرف عبدالله مقبل أصيب عصر الأربعاء الموافق 22/4/2015م أثناء اشتباكات قوية اندلعت بين أبطال المقاومة الجنوبية وقوات الغزو الحوثي وعفاشي بمدينة كريتر في العاصمة عدن.
جرح مقبل أمام عمارة الجبلي في ميدان الحبيشي بكريتر بطلقتي قناص وكلاهما كانتا في الفخذين، تحطم على إثرها عظم أحد فخذيه.
أُسعف من قِبَل بعض الشباب لمركز إسعافي بحافة الهنود بالمدينة، حيث أجريت له الإسعافات الأولية، ومن ثم أُحيل إلى مستشفى الجمهورية وبموجب الفحوصات حدد موعد إجراء العملية لأسبوع غير أن العملية لم تجرَ له نتيجة لتهديد الحوثيين باقتحام المستشفى، الأمر الذي أرغم إدارة المشفى على إخراج الجرحى منه حفاظًا على حياتهم.
*عملية بتر
ويقول الجريح مقبل في سياق سرد قصة معاناته لـ«الأيام»: "بعد أن أجبرنا للخروج من المستشفى ذهبت إلى معظم مستشفيات المدينة بغرض العلاج والمجارحة وجميعها أكدت ضرورة إجراء العملية (بتر في عظم الفخذ)، كنتُ حينها متخوفًا، وأخيرًا تم تحويلي إلى مستشفى النقيب (خاص) حيث عمل الطبيب عبدالفتاح الصعيدي - اختصاصي عظام - على معانية إصابتي ومن ثم أجريت لي 9 عمليات من ضمنها صفيحة ومازالت بجسمي حتى اليوم".. مضيفًا: "قبل 5 أشهر عدت إلى الطبيب الصعيدي وأفادني حينها بعد أن تم معاينتي بأن علاجي في الخارج، وقدمت ملفي لأكثر من جهة ولم ألقَ أي تجاوب".
مختتمًا حديثه بالقول: "حالتي الصحية تسوء يوما بعد آخر، كما أن إصابتي أثرت على ظهري.. أعيش حاليا على مسكنات للألم وإبر باهظة الثمن، وما أتمناه من الدولة والجهات المسؤولة هو الحصول على مراتب شهري والتكفل بعلاجي في الخارج، كما نقول لهم كفى واسطة ومحسوبية".
*- عن الأيام
*- تم تغيير العنوان الأصلي من قبل "شبوه برس"