عندما نتحدث عن عدن إنما نتحدث عن عدن المدنية أو مدنية عدن، ويتجلى ذلك في عراقتها في التعامل مع المؤسسات، فإعلان ميناء عدن ميناءً حراً عام 1850، وبعد ذلك بسبعة أعوام أسس الكابتن لوك توماس بنك (مصرف) Bank of Aden، وفي مطلع القرن التاسع عشر تأسست بلدية عدن، وفي أربعينيات القرن العشرين تأسس المجلس التشريعي وانتشرت مساحة معتبرة للثقافة بكافة مظاهرها: نوادي رياضية، صحافة، مسرح، منظمات مجتمع مدني... إلخ.
عرفت عدن أيضا بسلسلة مصارف عكست مستوى متقدماً للحركة الاقتصادية والتجارية والصناعية والسياحية، وكانت عدن عبر مينائها محطة لإعادة الصادرات إلى دول الجزيرة والخليج ولم ترتبط الإدارة بقوة سياسية أو اجتماعية وإنما بسلطة النظام والقانون والإدارة القائمة على مبدأ تقسيم العمل، ولم تكن هناك سلطة لفرد وإنما سلطة لقانون، وكانت عدن - بفعل ذلك التراكم - أرقى نظام إداري ومالي وكل شيء يقوم على إدارة كفؤة، فالإدارة السليمة هي معيار النجاح، وسارت الإدارة بحيوية فائقة بعيداً عن الصخب بل الصمت الإيجابي.
ولم يكن هناك مديراً عاماً مدعوماً من والي البلاد مثلاً أو من أي قوة أخرى، حتى القاعدة البريطانية كانت قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط وثكناتها وإدارتها موزعة بين خور مكسر والتواهي، لكن لم يسمع السكان طلقة رصاص واحدة، وعلى سبيل المثال كانت هناك عدة معسكرات في خور مكسر لكنها لم تشكل مصدر إقلاق للأمن لأنها معسكرات حضارية وحضرية.
غرفة عدن وكانت معروفة بغرفة عدن التجارية aden CHamber of commerce، وتأسست في 26 أغسطس 1886م وكانت تمارس دورها بنظام داخلي خاص بها يقره الأعضاء في اجتماع عام، وتشير وثائق عدن إلى أن إدخال الكهرباء إلى عدن عام 1926 كان باقتراح مقدم من غرفة عدن، ودعونا نعرض نموذجين لتعامل الغرفة مع والي عدن ومحافظ عدن:
غرفة عدن والسير ريجنالد شامبيون عام 1948:
عقب الأحداث الجسام التي شهدتها عدن أثناء سنوات الحرب العالمية الثانية عقدت غرفة عدن التجارية جلسة بتاريخ 18 ديسمبر 1948 وأصدرت قرارا أرسلته إلى السير ريجنالد شامبيون (1944 / 1951)، ورد في مذكرتها أن الاضطرابات الطائفية قد عرقلت التجارة وتسهيلات الميناء وأضعفت معنوية جميع الجاليات التي تنتظر تدخل الحكومة باتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية أرواحهم وممتلكاتهم، ولا حاجة لتفاصيل على حساب مساحة الموضوع.
يتبين هنا أن غرفة عدن هي بيت التجار ونقابتهم والمكون المؤهل لإبداء الرأي والنصح حباً في المدينة ومينائها وحركتها التجارية والاجتماعية بما يؤمن الأمن والاستقرار الاجتماعي المقرون بالاستقرار والانتعاش الاقتصادي.
غرفة عدن والشيخ عبدالعزيز المفلحي:
من الحقائق التي لا تقبل الجدل ولا التشكيك أن عدن شهدت وتشهد متغيرات وانعطافات محتقنة تدفع هي ولوحدها الثمن، وتهب كل منظمات المجتمع المدني وفي مقدمتها الغرفة التجارية الصناعية عدن لتمارس وظيفتها ودورها وهي المعروفة بجماعات الضغط Pressure Groups في سائر المجتمعات المدنية. وشهدت عدن عدم الاستقرار والأمن الاجتماعي وشلت حركة المرافق الاقتصادية والإدارية بل والأمنية، واختفى الجيش والأمن وحل محلهما شباب المقاومة وأفراد من القوات المسلحة والأمن وأصبحت عدن اقتصاديا وأمنيا عند درجة الصفر.
سيسجل التاريخ أن غرفة عدن فتحت أبوابها في حين كانت معظم المرافق المدنية العامة والخاصة مغلقة، وأدت - ولا تزال تؤدي - دورها بما يرضي الله.. وبطبيعة الحال رافقت عملية السيطرة على المحافظة أخطاء لا حاجة لذكرها، ونبهت جهات الاختصاص وفي مقدمتها فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي وكل المسؤولين ومنهم الأخوة أصحاب السعادة المحافظون والحالي منهم الشيخ الفاضل عبدالعزيز المفلحي، ونبهت بطبيعة الحال المعنين بالأمر وفي مقدمتهم سعادة مراد الحالمي، وزير النقل، والأستاذ محمد علوي أمزربة، رئيس مجلس إدارة مؤسسة موانئ خليج عدن.
نريد ونتطلع إلى رؤية عمل مؤسسي يعيد لعدن أمجادها السابقة وخاصة قبل نوفمبر 1967م، وإلا ستجدوننا على شفير الهاوية.
*- الأيام