أتمنى كما يتمني غيري من دعاة الخير إن يعالج الحوار الوطني اليمني جميع المشكلات القائمة باليمن وعلى راسها القضية الجنوبية التي تعتبر أهم قضية في المنطقة، ولكني أعتقد إن العقلية القديمة لازالت تحكم "الشمال" ولكن بشعار آخر فيما يخص القضية الجنوبية وهو (الحوار أو الحرب) هو نفس الشعار الذي ظل يردده علي عبد الله صالح وأنصاره طوال فترة حكمه (الوحدة أو الموت) واستطاع صالح من خلال هذا الشعار البقاء في الحكم لسنوات طويلة لأنه قدم نفسه على أنه الحامي الوحيد لهذه الغنيمة الذي اتفق الجميع بالشمال على عدم التفريط بها مهما كانت الظروف.
سمعنا كثيراً عن تهيئة الأجواء للحوار الوطني وتقديم حلول لبعض المشكلات فيما يخص القضية الجنوبية من أجل إقناع بعض الجنوبيين الدخول في الحوار، وسمعنا كثيراً عن قرارات رئاسية مهمة سوف يصدرها الرئيس بخصوص قضية الجنوب واعادة بعض الحقوق لأهلها قبل إنطلاق الحوار الوطني وسمعنا أيضا عن العشرين النقطة التي يُقال إنها مبدأ حسن نية تجاه الجنوبيين من أجل دخولهم في الحوار.
ولم نرَ إلا مواصلة القتل والنهب والحصار، وما جرى في 21 فبراير هو خير دليل على ذلك، ومع قرب مؤتمر الحوار الوطني أصدرت السلطات في عدن والجنوب عامة قرارات بمنع المظاهرات السلمية للحراك الجنوبي، وقيام الأجهزة الأمنية بمداهمات واغتيالات واعتقالات، ومحاصرة المناطق الجنوبية ومنها العاصمة عدن، وأخبار عن إبعاد أسرى جنوبيين خارج البلد، والكشف عن قائمة تضم 15 إعلاميا وصحفيا مطلوب القبض عليهم، بالإضافة إلى مطالبة الحكومة بإغلاق قناة عدن لايف والمطالبة بإيقاف نشاط بعض قيادات الحراك السلمي في الخارج وغيرها من الإجراءات التي تقول الحكومة إنها تهيئة للحوار القادم.
صنعاء تقول إن الحوار فرصة أخيرة لقيادات الجنوب لأقتناصها وإلا سيندمون على مقاطعة الحوار، وسيكون الخسران الوحيد من يقاطع الحوار، ولكنني أرى إنها فرصة للجميع شمالا وجنوبا وعلى الإخوة في صنعاء إن يعترفوا بالقضية الجنوبية بانها قضية سياسية ويجلسون مع الجنوبيين للخروج بحلول صحيحة وسليمة كما جلسوا معهم من عام 1967- 1990م من أجل الدخول في الوحدة، والجميع يدرك ما يريده شعب الجنوب وإذا أرادوا بناء يمن جديد عليهم الاعتراف بحق تقرير المصير لهذا الشعب بطريقة ديمقراطية وما يقرره الشعب يقبل به الجميع، هنا يبدأ بناء اليمن الجديد، أمّا المناداة ببناء يمن جديد عبر وسائل الإعلام وما هو موجود على الواقع شي آخر فهذا يعني الذهاب باليمن إلى الصوملة وأكثر من الصوملة.
لان أي حل يأتي به مؤتمر الحوار لم يقنع الجنوبيين معناه الذهاب باليمن إلى المجهول، وبامكان السلطة قمع المسيرات السلمية، وتقييد الحريات، وإغلاق الصحف، والقيام باعتقالات، بعد الحوار الوطني لفرض سياسة الأمر الواقع وهي قد بدأت بالفعل من الآن، ولكنها قد تقيد من نشاط الحراك السلمي لفترة من الزمن وتعود المشكلة إلى السطح مرة أخرى، أنا اعتقد إن ما قام به علي عبد الله صالح ضد الجنوبيين لم يقم به اي نظام ضد شعب على وجه الأرض ولكنه لم يستطع تحقيق هدفه بتركيع هذا الشعب العظيم، واستطاع شعب الجنوب النهوض من تحت إنقاض الفقر والجوع والمرض والحصار والقتل والتشريد وخرج إلى الشارع وقدّم قوافل من الشهداء من أجل الحرية.
خلاصة الموضع إن الاحتيال على القضية الجنوبية أو استخدام القوة ضد شعب الجنوب وفرض الحلول عليهم بالقوّة لن يجدي نفعاً وسيخسر الجميع، وخير دليل على ذلك هو ما فعله علي عبد الله صالح عندما حشد الارهابيين من أفغانستان وغيرها ووجه التكفيريين لتجييش الشعب في الشمال وأدخل علماء الدولة إلى جميع المعسكرات لاصدار الفتاوي لهم بجواز قتل الجنوبيين وافتوا إن من يقتل منكم فهو بالجنة ومن يقتل من الجنوبيين فهو بالنار، ووجه شيوخ القبائل للتعبئة الشعبية، وغيرها من الأساليب التي لا يستطيع غير صالح استخدامها ومع ذلك فشل، يجب على الجميع اليوم الوقوف أمام إرادة الشعب الجنوبي فهو صاحب الحق في تقرير مصيره حتى يستطيع الجميع السير نحو المستقبل بخطئ واثقة.
والله من وراء القصد،،
وأتمنى الخير للجميع في الجنوب والشمال.
13 مارس 2013م.