بينما نراقب الانفجار المرتقب بين طرفي الانقلاب (الحوثي- صالح) خاصة بعد تصاعد الخلافات الأخيرة نتيجة التعيينات الحوثية في عدد من مؤسسات الدولة وإبعاد التابعين لحزب المخلوع صالح المؤتمر الشعبي العام، وارتفاع صوت المحسوبين على المخلوع صالح الرافضة والمهددة للحوثيين، وبينما كان الجميع يترقب حدوث التصادم خرج المخلوع صالح بمناسبة الذكرى الثانية لانطلاق عاصفة الحزم في خطاب حمل فيه التناقضات والانكسار ومزيدا من صراخ الألم الذي أصابه.
قبل عام واحد كان يهدد السعودية بحرب ستستمر إلى أحد عشر عاماً يستنزف فيها الرياض، مُدعياً أن السعودية تحارب اليمن، قبل عام كان المخلوع صالح يبث خطاباته، داعياً أنصاره للثبات والصمود في جبهات القتال لضمان تغيير المعادلات السياسية، وقبل عام كان ما زال يهدد الجنوب بالإرهاب، أما اليوم فلقد خرج في الذكرى الثانية لعاصفة الحزم يقول إنه مستعد للحوار مع السعودية في إطار لا ضرر ولا ضرار.
مشكلة المخلوع صالح أنه لم يدرك تحت سيطرة نزوته للسلطة أنه جزء من فساد السلطة السياسية، وأنه عرقل الانتقال السياسي في اليمن، وأنه غدر بالسعودية مرة أخرى، وأنه تسبب في شرخ سياسي واجتماعي عميق في اليمن، وأن شهوته في الحكم دفع ثمنها الآلاف من اليمنيين، هذه هي معضلة الفهم عند المخلوع صالح، اللعب على التناقضات، والرهان على المتغيرات، هذا هو أسلوب وطريق يعرفه المخلوع صالح منذ أن وصل إلى السلطة بتزاوج القبيلة مع المذهب الزيدي في لحظة صنعت تاريخ اليمن في أربعة عقود أمضاها حاضراً لا يغيب عن ألم اليمنيين شماليين وجنوبيين.
يجيد المخلوع صالح لعبة تصدير أزمات اليمن إلى الخارج، فمنذ أن تحالف مع عناصر تنظيم القاعدة الذين جاؤوا لليمن بعد حربهم في أفغانستان وهو يستعملهم (فزاعة) للسعودية وللولايات المتحدة، وجد دعماً على مدار أعوام في مقابل مكافحة العناصر المتطرفة في اليمن، اكتشف العالم أخيراً أن القاعدة في اليمن هي مؤسسة تتبع للمخلوع صالح، في ذات السياق قاتل الحوثيين في ستة حروب ولم يحسم معركة واحدة معهم، ليكتشف العالم أن الحوثيين مجرد حلفاء من حلفائه، كذلك الإخوان المسلمون هم شركاؤه في السلطة منذ صعد إليها، واليوم هم خصومه في معركة الثعابين التي يمارسها باستمرار على مدى أربعين عاماً مرت.
الفوضى التي صنعها في اليمن أتاحت المساحة الواسعة لتوغل إيران عبر الحوثيين، إغراق اليمن في الجهل والفقر والفساد، وتسخير الموارد المالية للاتجار بتهريب المخدرات والسلاح والبشر، كل هذا مصدره فوضى تركها المخلوع صالح تعصف باليمن وتستنزف مقدراته، بات اليمن مصاباً بالأمراض وتحولت مؤسساته الوطنية إلى مقرات تستوطن الفاسدين وتعمل على تمرير عشرات العمليات المشبوهة بدون مسألة تذكر.
الإرث الذي تركه المخلوع صالح لا يمكن التعامل معه بغير انتهاء هذه الحقبة وكف يد المخلوع صالح نهائياً عن اليمن ومستقبله، هذا الإرث العميق في التراكم بين فساد سياسي واجتماعي واقتصادي سيبقى مؤرقاً لليمنيين وجيرانهم، وعلى ذلك يمكن أن يختار المخلوع صالح إما إسقاط الحصانة أو أن يخرج من اليمن مع كل المتورطين في أزمة اليمن لتستطيع القوى الوطنية أن تُخرج هذا البلد مما هو فيه بمساعدة الإقليم العربي، فلقد فات القطار على المخلوع صالح وعليه أن يدفع الثمن.