يتذكر الشاب العدني سامح جميل موقف غريب له والبسمة لا تفارق شفتيه انه وقبل اسبوعين من اصابته كان يقولون لزملائه لو قدر الله واصبت انتبهوا تودوني مستشفى اطباء بلا حدود ، يردوا عليه الشباب ليه فيقول لهم ضاحكا وبلكنته العدنية المعهودة لان الاطباء في بلا حدود ساني يقصون الارجل ما يصافطوش .
بعد مرور اسبوعين من حديثه ذلك ، يجد سامي نفسه في غرفة عمليات المستشفى ذاتها لإجراء عملية بتر الساق اليسرى جراء اصابته بقذيفة هاون حوثيه ، يتوقف برهة من الوقت ليكمل حديثه قائلاً الحمد لله على كل حال فقدت ساقي فقط فهناك شباب فقدوا ارواحهم لأجل نعيش نحن بأمان وكرامة حد قوله ذلك .
قبل أيام مضت وقف سامح جميل بقدم واحدة امام منصة تكريم الجامعة لتسلم شهادة التخرج بدرجة البكالوريوس من كلية اللغات بجامعة عدن وسط تصفيق الحاضرين ووفي مشهد انساني مؤثر والدموع تنهمر كالمطر من عينيه وفي تلك اللحظة يمر امامه شريط ذكريات اصابته بقذائف الحوثيين واستشهاد 4 من زملائه اثناء محاولتهم الوصول الى خزانات المياه لتشغيلها غرب المدينة عندما كانت تسيطر عليها ميليشيا الحوثيين وصالح اثناء الحرب الظالمة التي شنتها على عدن والجنوب في مارس 2015 .
الجريح البطل سامح جميل طربوش شاب عدني عازب يشع حيوية وابتسامة ويبلغ من العمر 28 عاما وهو من مواليد مديرية البريقة بالعاصمة عدن خريج جامعي بدرجة البكالوريوس تخصص ( Business English )من كلية اللغات بجامعة عدن .
أصيب سامح بقذيفة هاون سلبته ساق الأيسر في السادس من يوليو 2015 اثناء الحرب الغاشمة التي شنتها ميلشيات الحوثي وصالح على مدينة عدن والجنوب في مارس من العام الماضي وذلك أثناء هجوم انتحاري قاده مع مجموعة من زملائه لاستعادة خزانات المياه في بير أحمد من قبضة الميليشيات وإعادة الماء لسكان البريقة فقد بلغ الحصار الخانق حينذاك مبلغ لا يحتمل الصبر ولو دقائق كما يقول .
يحكي الجريح سامح عن واقعة إصابته بالقول : حينما كانت الميليشيات تقوم بقطع الماء على البريقة من الخزانات المغذية للمدينة وموقعها في منطقة بير أحمد أثناء الحرب وسيطرة الميليشيات على خزانات المياه والمنطقة ، في ذلك اليوم قررنا الهجوم على الحوثيين بالتنسيق مع قيادتنا ومن هم ولاة امورنا وفي ذلك الهجوم استشهد علينا 4 من خيرة شباب منطقة البريقة وهم خالد رشاد ونصري البتول وطه الصفر ومحمد الجمال واصيب من اصيب من إخواني في تلك الهجمة وبينما نحن في هجمتنا عليهم كان عناصر الميليشيات يضربوا علينا بالقناصات والكاتيوشا وقذائف الهاون ولقدرة الله في ابتلائنا حطت قذيفة هاون بقربنا واصبت انا واصدقائي بجروح .
يواصل سامح روايته للواقعة في تلك اللحظة وبينما كنت أحاول اتدارك الامر محاولا اسعاف نفسي وقتها الا انني عجزت عن الحركة لكوني فقدت حركة رجلي اليسرى ويدي اليمنى الذي اصبت فيها بشظيتين كسرت وقتها يدي ورجلي كانت مجروحة ولكنها لم تبتر حينها وتم اسعافي إلى مستشفى اطباء بلا حدود وقاموا بعمل اللازم من الاسعافات الاولية .
وزاد بعد اسعافي الا اطباء بلا حدود بساعات صحيت من المنج " التخدير " فلاحظت أن يدي ورجلي مجبره ومكسورتان وقالوا لي الأطباء ان شاء ما تشوف شر وجلست يومين وبعدها جاءنا الجراح الاسترالي وقال لي ان قدمي لم تستجيب وهي بحاجة لعملية بتر لان الشريان والاوردة تقطعت تمامًا من أثر القذيفة التي امتلأت بالسموم فوافقت حينها ولقوة ايماني بالله وخروجي في سبيله لم اصب بذرة خوف ولا هموم حينما ربط الله على قلبي بالصبر وقبول الامر وتم بحمد الله وتوفيقة اجراء العملية لي بنجاح ولله الحمد .
يكمل : منذ أن بترت ساقي في ذلك الوقت وحتى اليوم وانا امارس حياتي بشكل طبيعي ودون اي نكد او ضجر راضي بما قسمه الله لي ومتفائل جدا وهذا بفضل الله ثم الوالدين وكذا أصدقائي الذين لن أنسى مواقفهم معي .
وعن طموحه المستقبلي بعد ان تخرج من الجامعة بدرجة البكالوريوس يرد سامح : طموحي في الحياة رضى الله ورضا الوالدين وان اكون انسان سعيد واسعد الآخرين وان اكون عون للناس وان يرزقني الله بزوجة وذرية صالحة وان يحييني الله ويميتني على الايمان .
وقال جريح عدن البطل سامح جميل ان امنيته في الحياة أن تعود البسمة لعدن كما عرفناها وان يعم الأمن والأمان في مدينتي ، مضيفًا امنيتي الكبيرة مرافقة الرسول صلى الله علية وسلم في الجنة .
وحول خططه المستقبلية يقول البطل سامح جميل بعد التخرج احاول ان أسعى في البحث عن وظيفة لتأمين مستقبلي واحاول السفر إلى السعودية لتركيب ساق صناعية تساعدني في حركتي اليومية وتسهل من معاناتي .
الحرب بالنسبة للجريح سامح تعتبر من الأشياء المؤلمة جدًا التي تحدث في حياة الفرد منا حيث تنتهي دائمًا بذكريات سيئة ومتاعب نفسية يواجهها الأشخاص وتدمير كلي لكل ما هو جميل وآمن وفقدان لأصدقاء كانوا معنا مع شعور مستمر بعدم الأمان في هذه الحياة .
وعن لحظة تخرجه من كلية اللغات بدرجة البكالوريوس يعدها سامح من افضل أيام حياته ولن ينساها أبدا حد قوله ذلك ، مضيفًا لقد انبهرت من لجنة التنظيم واصدقائي حينما قاموا بتكريمي بطريقة فريدة من نوعها عندما نهض كل من في القاعة بالقيام لي والتصفيق الحار والهتاف باسمي بل ورايتهم ودموع الفرح تذرف منهم حبا لي ولن أنسى موقفهم هذا معي لقد جعلوني بطل بحق وهم هؤلاء من يبعثون فينا الأمل والسعادة والفرحة في وقت عجزوا فيه اصحاب الكراسي والمناصب والقيادات بإعطائنا حتى ولو كلمة تجعلنا نفتخر بأنفسنا .
يتابع الجريح سامي حديثه بالقول : لطالما نجد اناس وأشخاص قد تركوا بصماتهم على قلوبنا ،وملؤء قلوبنا حبا بهم ،فكم من شخص أدي إلينا جميلاً لا ينسي وكم من أناس مع انهم قلائل رسموا البسمة علي وجوهنا بعد أن اعتراها الحزن والأسى ، وكم من أناس ابكونا من طيبتهم وكم من أناس مسحو الدمع عن خدنا وقت الحزن ،تذكروا لن انساكم وانسى مواقفكم معي ابدأ ما حييت .
يقول سامح بعد ان انهى تعليمه الجامعي ، ان لديه طموحات كثيرة فهو الان يخطط للزواج ، مؤكداً ان عدن تستحق كل تلك التضحيات وان عجلة التنمية والبناء لابد ان تبدأ الدوران من جديد وقد حان الوقت لذلك كثيراً ، وان استعادة عدن لمكانتها المرموقة كمدينة عالمية هو الانتصار الحقيقي لتضحيات الشهداء والجرحى حد قوله ذلك .
سامح ليس الا واحداً من بين الآلاف المواطنين كانوا ضحايا انتهاكات الميليشيات في عدن ، سامح فقد ساقه الايسر بقذيفة هاون للميليشيات ، والى الان لم يلتفت لها ابدأ ولم ييأس بعد ان ترك احد قدميه في ميدان الحرب لتنتصر عدن على ميليشيا لا تجد سوى لغة القتل والاجرام ، ترك عقله بعد تحرير عدن في ميدان العلم وها هو اليوم يحصد ثمرة عزيمته وصموده بنيلة شهادة البكالوريوس من كلية اللغات بجامعة عدن .