لم يكن قائد وراسم خطة معركة تحرير العاصمة عدن، ثم أول محافظ لها بعد التحرير ، الشهيد جعفر محمد سعد ، مجرد فقرة وضعت على هامش كتاب تاريخ هذه المدينة يمكن لمن أراد بترها ،أو تجاوزها أو إهمالها ،بل كان هو روح ومضمون هذا الكتاب ، وبالتالي فلا سلامة ولا مهنية ومصداقية في صياغة أي تأريخ تحرري يمكن تدوينه في كتاب عدن ، ما لم يكن القائد الفدائي ، اللواء جعفر سعد جزءا أصيلا منه ، وصانعا رئيسيا ، لأهم أحداثه ، وهي طرد قوى الاحتلال الحوثية العفاشية في نهار صيفي حار من أيام شهر يوليو / تموز من العام 2015م.
لم تنس ذاكرة الناس في عدن تفاصيل كل أحداث مدينتهم ، حين فر كثيرون منها ،قبل إن تبدأ المعركة ، تاركين شوارعها وناسها وكل أهلها فريسة للغزاة المتخلفين يعبثون فيها كيفما شاءوا ، كما لم ينسوا كيف ترك جعفر يومها مدينة الضباب لندن ليعود إليهم والى مدينته ، تاركا رغد العيش وطيب المقام ، فلم يطب له مقام إلا في جبهات العند وبير احمد وجعولة وغيرها من جبهات عدن المشتعلة حينذاك.
منذ الولادة تشرب جعفر قيم القيادة ، و دون إن تسنده قبيلة تقدم جعفر صفوف رجال القبائل المقاتلة التي وحدّها وجع عدن، وما حل بها من كارثة ،ودون ان تفرضه إرادة سياسية فرضته إرادته الفولاذية ، وخبرته وحنكته العسكرية ،فكان وهو الرجل الهادئ ، بركانا ثائرا تفجرت منه حمم معركة أسماها هو ذاته معركة غضب عدن ، و لم يهدأ هذا الغضب إلا بتحرير المدينة وتطهيرها من الغزاة.
تحررت عدن ،وانتقل بها جعفر بعون الله معها وبعون كل الخيرين فيها وكانوا يومها قلة ، إلى معركة البناء والنهوض لتجاوز آثار معركة التحرير ،لم يبحث عن مجد شخصي ولم يتحدث عن بطولة رغم امتلاكه حق الحديث ،بل كان مطلوبا منه ان يتحدث باعتباره يخبئ في ذاكرته جزءا مهما من تاريخ صناعة مجد وانتصار عدن وتحريرها من أعتى واخطر غزو متخلف حل على أرضها .
ويوم ان ترجل اللواء الفارس جعفر من على صهوة جواده وارتقى إلى الله شهيدا ، بكته عدن كما لم تبك شهيدا من قبله ،تناسى الناس ان جعفر لم يعش معهم سوى شهرين فقط ،وتحدثوا عنه كأنهم قد عاشوا معه دهرا ،ورغم خذلان نخب المجتمع في عدن وقادته ونشطائه للشهيد ،إلا انه نحت لذاته في ذاكرة بسطاء المدينة تاريخا ناصعا لا يمحى وان لم يكن مدونا في كتب التاريخ المزور أو لم تتضمنه برامج قناة الجزيرة الوثائقية التي خانتها ذاكرة ارشيفها وما كانت تتناوله فضائيات العالم عن معركة غضب عدن .
تستطيع روح الشهيد جعفر ان تنام الآن بسكينة في ضيافة خالقها ،فقد أدى صاحبها ما كان عليه القيام به نحو مدينته وأمته ودينه ، وهذه الروح النقية هي من ستخاصم أمام العادل المنصف ، كل من يحاول اليوم بخس جعفر حقوقه ،وسرقة تاريخه بحثا عن مجد لشخص أو حزب او جماعة.