"عرض وتلخيص د. علوي عمر بن فريد"
قد يقول قائل لماذا نعيد قراءة التاريخ ونستجر أحداث الماضي الذي غابت شمسه وأفل نجمه؟ وما الفائدة من ذلك؟ وأقول: إن قارئ التاريخ يستطيع أن يرى المستقبل ماثلاً أمامه وأن يتفادى أخطاء أسلافنا في الماضي, ويحول هزائم الماضي إلى انتصارات.
والتاريخ مصدر لأخذ العبر من المواقف والأحداث, فعدد كبير من القادة وصناع الرأي ينظّرون في التاريخ ويقرؤون ليتعلموا العبر مما سبق.
ونحن هنا نستعرض أهم الأحداث في كتاب الوزير عوبلي حتى لا نكرر أخطاء أسلافنا.
في الفصل الرابع ذكر السيد عوبلي أن عدن هي المفتاح البحري لشبه الجزيرة العربية كلها, فهي تحتوي على أهم ميناء طبيعي في العالم العربي كله, وكانت قبل استيلاء الجبهة القومية عليها من بين الموانئ الأولى في العالم كله. حيث أن إمارات الجنوب العربي وحضرموت والمهرة واليمن وعمان تشكل جزء لا يتجزأ من الوجهة العسكرية للدفاع عن المنطقة كلها ومن الوجهة الاقتصادية.
وفي الفصل الخامس من الكتاب تناول الوزير عوبلي التنظيم السياسي لحكومة عدن قائلاً: لما كانت عدن تعتبر جزء لا يتجزأ من مستعمرات التاج البريطاني, فقد قامت إدارتها على غرار المستعمرات البريطانية الأخرى, وكانت الأجهزة الحكومية متعددة وتنقسم إلى:
الحاكم العام: وهو ممثل التاج البريطاني في المنطقة كلها, والحاكم المباشر لعدن وينوب عنه معتمدون في المحميات الشرقية والغربية, مسؤولون مباشرة لحكومة عدن.
المجلس التشريعي: كان أعضاء المجلس بداية معينين من قبل الحاكم العام الذي كان يختارهم حسب مواهبهم أو شعبيتهم, ولكن هذه الطريقة صادفت معارضة شديدة من الشعب العدني, وعلى العكس من ذلك كان جزء من مجلس حكومة عدن المحلية منتخباً انتخاباً مباشراً من قبل الشعب في تصويت سري تام, أما المجلس التنفيذي فقد كان يمارس السلطات التنفيذية في البلاد في إطار الصلاحيات المخولة له من المجلس التشريعي, أما السلطة القضائية فقد كانت منفصلة عن السلطة التنفيذية والحاكم العام, وكان القضاء في عدن عادلاً ومستقيماً إلى أقصى الحدود, ولا تستطيع الوزارة البريطانية أو الحاكم العام أو رئيس وزراء عدن أو أي جهة أخرى التأثير عليه, وبالإضافة إلى الحكومة المركزية كانت هناك حكومة محلية لعدن تنظر في الشؤون المحلية طبقاً لدستورها وتنتخب مباشرة من الشعب.
والغريب في الأمر أن التنظيم الحكومي في عدن سار على غرار التنظيم الأمريكي لا البريطاني, ولعل مرد ذلك هو الاستعداد لخروج عدن إلى الحكم الذاتي والاستقلال.
وفي الفصل السادس يغوص بنا المؤلف في التنظيم الإداري والاقتصادي لعدن فيقول:
بدأت عدن كقاعدة بحرية شرق السويس.... للسيطرة على البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي, فتحولت إلى قاعدة هامة لتزويد السفن بالوقود وبالمياه العذبة النقية التي تضخ للسفن ستمائة مليون غالون يومياً من المياه. وكان لميناء عدن أمانة مستقلة تماماً دون تدخل الحكومة المركزية وكانت لها ميزانيتها الخاصة وتتقاضى رسوماً معقولة على كل السفن التي تدخل الميناء, وهذه ميزة من الأسباب الجوهرية جعل من عدن الميناء الثالث في العالم بعد نيويورك ولندن, ولولا الاضطرابات العمالية في عدن لاحتل الميناء الرقم الثاني مباشرة على مستوى العالم, وفي الفترة من عام 1967م-1964م بلغ مجموع حمولة السفن التي دخلت ميناء عدن حوالي 43 ثلاثة وأربعون مليون طن في العام. ولكن التدهور بدأ علم 1965م عندما عملت الجبهة القومية على ضرب الميناء بواسطة الفوضى كجزء من برنامجها "القومي" للعودة بعدن قرنين..... إلى الوراء.
وقد قام التنظيم الاقتصادي لعدن باعتبارها ميناءً حراً للتجارة المحلية والدولية, وتقع عدن في منطقة تقوم عليها موانئ صغيرة عدة كميناء الحديدة في اليمن وموانئ مصوع وعصب في ارتيريا وجيبوتي في الصومال الفرنسي وموانئ صوماليا وأفريقيا الشرقية وموانئ الخليج العربي, وهذه الموانئ لا يمكن أن تستقبل سوى السفن الصغيرة وبالتالي صارت عدن تستورد أكثر من مائتي مليون جنيه وتعيد تصدير ما يساوي مائة وثمانين مليون جنيه سنوياً, وبلغ عدد السياح الذين ينزلون من السفن إلى عدن لشراء مختلف السلع مائة ألف سائح يومياً حسب إحصائية عام 1962م, وهذه الطاقة الشرائية الهائلة هي التي جعلت عدن قادرة على الوقوف
والى اللقاء في الحلقة الرابعة
*- للإطلاع على الحلقة الثانية : أضغــــــط هنــــا