أفرزت الثورةُ الجنوبية كثيراً من المتناقضات ، وخلقت كثيراً من التباين بين الشخص وذاته ، وقرّبت المسافة بين اللص والثائر وقاربت بين المسترزق والوطني ، ووسّعت الهوّةَ بين الوطن وقيمته واستبدلت الثمن بالقيمة ؛ فصار للوطن ثمنٌ لا قيمة .
من كان بالأمس يمقت الفيدراليةَ من أقليمين صار اليوم يروّجُ لها من ستة أقاليم ، من كان بالأمس يتشدق برفض "المشاريع المنقوصة" أضحى اليوم ناقصاً يسعى إلى مشاريع أنقص من المنقوصة ، فبات النقص متجذراً أصلا في ذوات هؤلاءِ المسترزقين الذين يتلونون كالحرابي ويركعون تحت أقدام من يدفع أكثر ، وبات هؤلاء كـ"بائعات الهوى" أعجز من أن يبلغوا مبلغ الرجال وأحقر من عاشقات الليالي الحُمر في عيون الُزهّاد .
فالحرب الأخيرة التي انتصر فيها شرفاء الجنوب بدعم من التحالف العربي أثبتت أن اللص سيبقى لصا _كسابق عهده_ مهما حاول أن يتدثرَ بغطاء الوطنية والنضال ، وأثبتت أن تلك الشكليات ستبقى دنيئةً حقيرة مهانة لا عزةَ لها ولا كرامة إلا عند ذاتها . والمنطق المستلهم من حقائقِ التأريخ يشير إلى أن الخارجَ من الحرب دائما خسران من كل شيء إلا مكسب النصر إن تحقق ، بيد أن واقع هؤلاء اللصوص معكوس تماماً ؛ إذ خرجوا من الحرب كاسبين غانمين كل شيء إلا مكسب النصر تخلوا عنه وتخلوا عن الثوابت التي كانوا يتشدقون بها قبل حرب الدراهم ! وتخلوا عن مبادئ الثورة الجنوبية التي سالت دماء الشهداء لأجلها ، واكتفوا بالمراوغة والعهر لعل وعسى أن يفتح الله بابا ثانيا للاسترزاق !!
الثورةُ الجنوبية بحاجةٍ إلى غربلة من الشوائب العالقة والأوساخ التي توشك أن تلوّثَ دماء الشهداء وتضحيات الشرفاء ، بحاجة إلى "فورمات" لإزالة الهوس والجنون والطيش واللعب بأرواح البسطاء والرقص على جثثهم والعيش بتتطفل على عبق دمائهم الطاهرة ! فمن كان يتغنى بمشروع التحرير والاستقلال أيام النضال السلمي و"الهواجل" فتخلّى عن هذا المشروع حين اشتد سيعر الوغي وحين حطت الهيجاء أوزارها لا يعدو كونه "شاقي" يبحث عن ملذات ومكاسب ولا يبحث عن وطن وحاشا لله أن يكون من رجال الوغى وعشاق النصر والشهادة !!
حقاً .. كُشفت العورات وبان المستور ولم يبقَ إلا الوطن شامخاً أبياً يستمد عزته من رجال البندقية وصناديد التحرير والاستقلال ..
خسئتم رجال الدراهم ..
قُبحتم رجال الفيد والغنيمة ..
خزيتم عرابيد الأقلمة والفدرلة ..
عشتم ورفعتم رجال العزة والكرامة رجال التحرير والاستقلال .
*-✍وهيب الحاجب