في احتفالية اليوم بذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر ال 53 توقعت وتمنيت أن أرى جنوبا فعلا جديدا ، جنوب تبدو على وجهه ملامح الانتصار العظيم الذي تحقق بدحر صالح وجنوده ، جنوب يستحق التضحيات الكبيرة والجسيمة التي قدمتها قوافل طويلة من الشهداء الذين لم تجف دماؤهم بعد ، والجرحى الذين لم تندمل جراحهم حتى اللحظة ،والأسرى والمعتقلين الذين مازالوا يئنون ويشكون من آلام القيود ورهبة المعتقلات .
كنت أتمنى ان أرى في عدن ملامح الدولة ،ومؤشرات عودة الحياة المدنية الحضرية ،لكنني لم أر سوى ذلك الجنوب الذي خرج بعفوية في 7/7/2007م حين كان مطاردا مقموعا ، لم أر سوى صفوف (الموالعة ) يفترشون الطرقات وكأنهم مدعوون إلى حفل زفاف يحييه فنان (مزعج ) ،لم أر سوى منصة يتزاحم العشرات على مايكرفوناتها وينافسهم حرس المنصة على الاصطفاف في وجه الجمهور، لم أسمع سوى شعارات لم تتغير منذ ثمان سنوات كتلك التي كانت تردد يوم كان الأمن المركزي والقومي والسياسي يقمعون الشباب بالرصاص والهراوات والماء الساخن .
في منصة الاحتفال أضحكني مقدمو فقراته وهم يغصبون الجمهور غصبا لترديد شعار اقسمنا بالله اقسمنا صنعاء لا يمكن تحكمنا ، فضحكت كيف ان الجنوب الذي تحرر وبات أمره بأيدي أبنائه يحلف بأن صنعاء التي لا تستطيع اليوم ان تحكم نفسها لن تحكمه بعد الآن .
في شعارات الاحتفال وقصائده وبيانه الختامي حضرت كل المفردات المتناقضة ،واجتمعت كل الطروحات التي لا يمكن ان تلتقي في مكان واحد ،شتموا الجميع ورفعوا صور الجميع ،وشككوا بالجميع وشكروا الجميع ، بشروا بالجنوب القادم وحذروا من مؤامرات تستهدفه رفعوا معنويات الجمهور إلى السماء تارة وهووا بها القعر تارة أخرى.
سبوا الاحتلال الذي لم يعد موجودا، وطالبوا بطرده ، حتى خيل إلي إن ذلك الاحتلال ليس سوى أؤلئك الجنود الحراكيين الذين يؤمنون الطرق ويقفون على حراسة الفعالية ، قالوا لا شرعية لحكومة الاحتلال لكنهم مصرين على مطالبتها باستيعاب أفراد المقاومة ،ولا ادري كيف سيكون حال هذه المقاومة حينما تصبح جزءا من منظومة الاحتلال .
صحيح إننا كنا نتمنى ان تكون هذه الفعالية بهذا الحضور الحاشد مناسبة لتأكيد وتجديد تمسك شعب الجنوب بحقه في استعادة دولته وان تسهم هذه الفعالية في رفع الحرج عن السلطات المحلية الثورية في المحافظات الجنوبية المحررة الذين تقيدهم متطلبات العمل ضمن دول التحالف العربي وضمن الحكومة الشرعية وهما اللذان لايمكن تجاوزهما أو التعارض معهما أو نكران دورهما لكننا وجدناها نسخة مكررة من فعاليات سابقة كانت لها مبرراتها وظروفها فلم ترفع الحرج بقدر ما حاول البعض ان يحرج هذه السلطات ويظهرها وكأنها قد تخلت عن القضية وان من اصروا على الصعود إلى المنصة للخطابة كعادتهم هم فقط من يحميها.
أمنية صادقة أتمناها اليوم وهي ان تكون هذه الفعالية خاتمة لكل فعالياتنا الثورية ان كانت ستستمر على ذات المنوال، ولنترك للساسة وللقادة تدبير شؤون البلد فهم أحرص واصدق وأقدر على قراءة الواقع وظروفه ولا داعي لتكليف بسطاء الناس أعباء النزول إلى عدن للعب دور شاهد ماشافش حاجة لأنه كان مخزن في أقصى الساحة او لانه لم يفهم شيئا من كثر ما رأى من عصيد .