الحمدلله الذي له ملك كل شي وإليه ترجعون ، والصلاة والسلام على النبي الميمون سيدنا محمد بن عبدالله المبعوث بالحق والهدى من لدن من يقول للشيء : ( كن ) فيكون ، وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار من يوم نزول الوحي عليه صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم يبعثون .
وبعدُ فأسألُ الله التوفيقَ والسداد لنا ولكم جميعا ، والسير على الهدى والحق المُنْزَل من عند رب العالمين ، غير مُبَدِّلِين ولا مُحَرِّفين ولا مُفرِطين ولا مُفرِّطين .. اللهم آمين .
والنصيحة المبذولة من الفقير إلى الله إنما صنعتها على غرار النصيحة التي كَتَبَها لأمثالكم وأشباهكم في عصر سابق سيدي الجدُّ علويُّ بنُ عبدالرحمن المشهور ، الذي تردد على هذه الجزيرة مراتٍ كثيرةً وارتبطتْ أسانيدُه بأسانيد علمائها وشيوخها وأرباب التقى والولاية والعلم فيها ، ولا شك أنه بَيْن نصيحتِه لآبائكم وبَيْنَ نصيحةِ الفقير أكثرُ من خمسين عاماً ، والتي سماها: الدرر الحسان من اليواقيت واللؤلؤ والمرجان في النصيحة لأهل كلمبو وقالي بسيلان ولكافة أهل الإيمان.
وكان الزمن آن ذاك رائقاً ، ولسان الحق واثقاً ، ومطر القبول بارقاً ، ولم يكن في جزيرتكم مخالفٌ ولا منافقٌ ، وإنما هي دعوةُ إسلامٍ خالصةٌ ، أو دعوةٌ وثنيةٌ في لُجَّةِ جهلها قانصة .
وبحمد الله اتسع شأن الإسلام ، وامتد ظلاله على الأكناف والأنحاء ، وانتشر فيما بين الأرض والسماء ، حتى غدا عزيزاً بأهله ، ومُصاناً بعَلِّهِ ونَهْلِهِ ، وعلى هذا المدى الطويل طرأ على بلاد الإسلام والمسلمين ما طرأ من التحولات والتقلبات ، المؤدية إلى نماذج من الصراع المفتعل على أمور الديانة والتدين ، حتى صارت أمور النقض والقبض الموعودة ديناً وملّةً ، وفشا الشكُّ والغمز والوقيعة.. وتَبَنَّتْ بعضُ الفرق الإسلامية مبدأ التشريك على ظاهرة الإفراط والتفريط الطارئ في سلوك التصوف والمذهبية ، مما عقَّدَ المسيرة الشرعية بين كافة المسلمين على بقاع المعمورة كلها ، ومنها جزيرة سيلان .
وها أنتم اليوم مع ظاهرةٍ بِدْعِيَّةٍ جديدةٍ ، تعمل على إثارة الصراع في الواقع باسم نصرة آل البيت المظلومين كما يقولون ، وستعمل هذه الأقاويل على استكمال مشروع التفكيك للتركيبات الشرعية التقليدية في المجتمعات ، وتزيد المسلمين وحشة على وحشتهم وفرقة على فرقتهم .
ولا مخرج لنا ولا لكم يا أهل الجزيرة إلا بتفهم الأمر على ما أخبر به منقذ الأمة صلى الله عليه وسلم عن آخر الزمان ومحدثاته ، فصوت المصطفى بعد صوت الله لا يعلى عليه ، ومخرجنا من أزمتنا مرهونٌ بذلك.
فنحن وإياكم على مدى التاريخ القديم والحديث لا علاقة لنا بالفتنة وأربابها ، وإنما علاقتنا بصافي المورد النبوي والأدب الأبوي الذي ورثناه عن سلسلة شيوخنا من أهل البيت المعتدلين ورجال المذهبية والتصوف .. وهم حَمَلَة الإسناد بين العباد.. لا تتغير مبادؤهم ولا علومهم ولا أسانيدهم بتغير المراحل ، ولا تتأثر بأنظمة سياسية تأتي وتذهب في المحيط العاثر ، بل يستمر دورها في خدمة الإنسان من حيث ما حل وكان ، مع احترام أهل الأديان وعدم إكراههم على الدخول قسرا إلى دين الإسلام والإيمان والإحسان ، بل بالحكمة والموعظة الحسنة والقيام بحق المواطنة ومشاركة الشعوب في التنمية والعمران وخدمة المجتمع من غير إفراط ولا تفريط.
وبهذه المبادئ الإيمانية انتشر الإسلام في جزيرتكم وفي شرق آسيا كلها وفي شرق إفريقيا وفي الهند والسند وغيرها من أرض الله ، ولم تزل الأمة على هذه المبادئ الشرعية ، حتى ظهر عهد الغثائية الذي أخبر عن ظهوره خير البرية فانقلب الأمر على غير ما نعهد ، وبرزت عوامل التهم والتشكيك في المجموع والمفرد يوما بعد آخر وعاما بعد مثله ، تحت رعاية وسمع وبصر المهندسين الأوفياء لمشروع الاحتناك الشيطاني المَقيت ، سواء كانوا في موقع قرار الحكم أو في موقع قرار العلم ، وهم الذين عبر عنهم صلى الله عليه وسلم في صحيح الحديث بأنهم أصحاب تضييع الأمانة وعناصر التوسيد : ( إذا ضُيِّعت الأمانةُ فانتظر الساعة )، قال: وكيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال: ( إذا وسد الأمر إلى غير أهله ).
وهذا هو عين تحليلنا للمشكلة منذ نشوئها في وطننا العربي والإسلامي المخدوع، وهذا هو أساس دراستنا اليوم لموضوع الحالة الراهنة ، وما نحن وإياكم نعيشه في علاقتنا ببعضنا البعض وعلاقتنا بغيرنا من أهل الرؤى والمذاهب .
ولو تركنا الأمر على عواهنه لازداد الأمر تعقيدا ، ولصار الإسلام والدين وعيدا وتهديدا يدمرنا ويدمر غيرنا ، لأنه مشروع الشيطان ، والشيطان لايرحم مسلما ولا كافرا ، لأنه عدو البشرية وليس عدو المسلمين فقط.. وقد فعل .
ولأجل ذلك يجب تظافر البشرية كلها أمام وسائل الشيطان المدمرة لفطرة الله التي فطر الناس عليها ، ومنها مس
ألة التعايش السلمي في الأرض وعدم التفريط في مسألة
العلاقة بين الشعوب على اختلاف عقائدها وأديانها ، مع احتفاظنا بعدالة الدين وسلامة مبادئه أمام كافة المبادئ الأخرى ، وإظهارها وإبرازها في مجال المعاملة والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ( الدين المعاملة ) واستقطاب البشرية إليه .
ومثل هذا سيكشف لنا سر الانقلاب المسيَّس لنا التي استخدمته قوى الشر في العالم حتى أفسدت العلاقات بين الشعوب ، إما باسم الإسلام أو باسم التغيير إلى الأفضل ، وهو ما عبرت عنه الأحاديث الشريفة بمشروع النقض والقبض .
والنقض والقبض في المعنى العقلاني هو ما يعرف بقانون ( الفعل ورد الفعل ) وهذا القانون الوضعي جزء من سيادة الطبع البشري وهيمنته على العقل والدين ، إذ إن الإسلام الصحيح إنما يعتبر الفعل ورد الفعل سيئةً متماثلةً ( وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها ) ، ويضع البديل الصحيح في المعاملة ( فمن عفى وأصلح فأجره على الله ) ( فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ).
وإنا نحمد الله على حسن المعاملة السديدة التي تتعامل بها دولة سيريلنكا الحكيمة مع مسلمي الجزيرة ، ونرفع أسمى آيات التقدير والشكر إلى رئيس الدولة ووزرائه مؤكدين صدق مشاركة المسلمين في مشاريع التنمية وحفظ الاستقرار والسلام.. والله الموفق والمعين .
___________
الحبيب ابوبكر بن علي المشهور
������ لقراءة المقال من موقع #الحبيب_أبوبكر :
http://www.alhabibabobakr.com/publications/mrsd_001/
������ (مجموعة من المقالات كتبها #الحبيب_أبوبكر المشهور في رحلاته لأقاليم شرق آسيا للعامين ١٤٣٦هـ - ١٤٣٧هـ)
@alhabibabobakr