مع اقتراب القوات الشرعية اليمنية من تخوم العاصمة صنعاء، وبعد أكثر من عشرة أشهر من الحرب، هل يمكننا اليوم أن نختبر نوايا الأطراف اليمنية في إيجاد حل سياسي ينهي الأمور ويضع حداً لمعركة باتت محسومة بعد أن نجح التحالف الداعم للشرعية في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للعملية العسكرية والمتمثلة بعودة السلطة السياسية الشرعية إلى اليمن، وتأمين مضيق باب المندب على اعتبار أنه جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي؟ هذه الأهداف المتحققة إضافة إلى حجم الضغط الهائل على الانقلابيين يوشك أن يفجر معركة مفتوحة بين أطراف الانقلاب.
في يونيو 2015م كما في ديسمبر 2015م فشلت العاصمة السويسرية جنيف في اختبارات النوايا اليمنية، فخلال (جنيف 1) فشل المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد في جمع الأطراف اليمنية على طاولة واحدة وانهارت تلك الفرصة بمشهد دراماتيكي يعبر تماماً عن المرحلة التي كانت تشهد معارك ضارية في العاصمة الجنوبية عدن عندما تقدمت ناشطة عدنية لتضرب رئيس الوفد الحوثي بحذائها لتعلن الفشل الكامل لمشاورات جنيف الأولى.
في الفرصة الثانية التي جمعت فيها الأمم المتحدة الأطراف اليمنية خلال ديسمبر من العام 2015م نجحت في وضعهم جميعاً على طاولة واحدة، ومع ذلك فشل اختبار النوايا اليمنية عند النقاط السبع التي وضعها الحوثيون في العاصمة العمانية مسقط لتجاوز خضوعهم للقرار الدولي 2216، كما أن الطرفين لم يكونا واضحين في مدى سعيهم الحقيقي نحو وقف إطلاق النار الذي التزمت به قوات التحالف العربي استجابة لطلب الرئيس هادي بينما أن القوات على جبهات القتال لم تستجب لوقف إطلاق النار مما أدى إلى فشل آخر لمشاورات جنيف الثانية.
قد تكون المعطيات اليوم شهدت تحولات أكبر من كل المرحلة السابقة، فاليمنيون باتوا أكثر شعوراً من أي وقت مضى أن بلادهم زجت في معركة لا طائل لهم فيها، فمع محاولات الأمم المتحدة لجمع الأطراف السياسية السورية والتجاذبات الإقليمية في الملف السوري ظهر لليمنيين أن الملف اليمني هو مجرد رهان إيراني استخدم في أتون صراع أوسع، وأنهم دفعوا ثمناً باهظاً في عبثية لا تساوي شيئاً في الملفات الأكثر أهمية في الشرق الأوسط.
تنامي هذا الشعور اليمني يدفعه واقع آخر هو التقدم العسكري في جبهة حرض وصنعاء، فقد اتضح جلياً أن القوات اليمنية الشرعية توشك بأن تفرض حصارها على العاصمة صنعاء، وهو ما يستدعي الذاكرة اليمنية عندما خضعت القوى اليمنية السياسية بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م إلى حصار السبعين الذي انتهى في 1970م بالتوافق السياسي العربي ليعلن انتصار الجمهوريين على الملكيين مما فتح الطريق السياسي للدولة اليمنية الحديثة قبل أن يختطفها الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.
قد تكون الفرصة المواتية سانحة لليمنيين أن يتجاوزوا الانكسار الكامل لطرف من الأطراف اليمنية وهي عادة من عادات السياسة في اليمن حيث تمضي مراحلهم تحت المثل الشعبي الحضرمي (لا قتلني ولا صلى علّي) في دلالة على الطبيعة السياسية اليمنية التي لا ترغب في إنهاء خلافاتها نهائياً وتترك فرصة الأبواب مواربة للدخول إلى الخلافات في مرحلة تالية، وهذا يفسر توالي حرب الحكومة اليمنية مع الحوثيين في ست حروب متتابعة، وكذلك هي العلاقة الدائمة في الطبيعة القبلية للشعب اليمني.
أمام اليمن فرصة أخرى من خلال شخصيات وطنية فضلت أن تتوارى مع هذا الخراب الكبير الذي بدأ فيه الحوثيون بتحريض من المخلوع صالح لتسقط صنعاء في 21 سبتمبر 2014م في دلالة تؤكد عمق الصراع السياسي اليمني وأن الحوثيين تتملكهم رغبات دفينة بإعادة دولة الإمامة بإسقاطهم رمزية الاستقلال الوطني في شمال اليمن، بل إن محاولتهم إخضاع مدينة عدن إلى سلطتهم يؤكد منهجهم بتحقيق رغبات الأئمة في شمال اليمن بالسيطرة والنفوذ على سلطنات ومشيخات الجنوب العربي السابق.
كيف يمكن أن تلعب الأطراف الوطنية أدوارها المطلوبة لإنقاذ ما تبقى من اليمن وانتهاز عملية «إعادة الأمل» في ترميم الشرخ الوطني والاجتماعي الذي تسببت فيه تجاوزات الأطراف الباغية على مقدرات الشعب وبنيته التحتية الهشة، كيف يمكن للشخصيات اليمنية أن تلعب الدور الوطني لجمع الأطراف المتصارعة وإقناعهم بأن اليمن يمكن أن يتعافى متى ما هو استوعب الدرس الأكثر قساوة في تاريخه الحديث.
*-عن الجزيرة السعودية