عن اشتباكات المعاشيق مرة أخرى

2016-03-01 20:09

 

بعد نشر مقالتي السابقة عن اشتباكات المعاشيق التي جرت يوم 28/2/2016م تلقيت سلسة من التعليقات والتوضيحات والانتقادات تركز في معظمها على أن سبب تلك الاشتباكات ليس كما تناولت، النزاع على أرضية معسكر طارق، بل النزاع على مستحقات بعض أفراد الحراسة الرئاسية ممن أتوا من صفوف المقاومة، وبعض المعلقين لم يبخل على كاتب هذه السطور بالشتم والاتهام بالجهل والتحيز والتجني وما إلى ذلك مما تعودت سماعه كثيرا.

الحقيقة إنني أعترف بعدم علمي باشتباكات أخرى غير تلك التي حصلت في المعاشيق وربما لم أتابع الأخبار بما يكفي لليوم السابق لها، لكن وجود حادثتين وفي مدينة واحدة وفي يومين متتاليين، أحد أطرافها حراسة رئيس الجمهورية يعني أن الحراسة الرئاسية قد صارت لديها عادة يومية في خوض الاشتباكات التي تؤدي إلى سقوط قتلى وجرحى، وهو ما يعني أن المصيبة أعظم من مجرد النزاع على أرضية يفترض أنها ملكا للدولة وليس لرؤساء الأجهزة التي تتنازع عليها.

ومع كل هذا وبغض النظر عن أسباب الاشتباكين، في المعاشيق وفي طارق من حقنا التساؤل: ماذا تستطيع الأجهزة الأمنية والحراسة الرئاسية، والشرعية بشكل عام، أن تقدم لنا من براهين على اختلافها في السلوك والأخلاق وفي العلاقة مع الناس عن أجهزة السلف؟ بماذا تتميز أجهزة (الشرعية) عن أجهزة الجماعة الانقلابية؟ وكيف أستطيع أن أفهم أن يأمر رئيس الجمهورية باستيعاب أفراد المقاومة في إطار الأجهزة الأمنية والعسكرية (بما فيها وحدات حمايته) ثم نكتشف أن هذه الأوامر لا يتقيد بها أحد حتى قيادات وأفراد حراسة الرئيس نفسه؟ وأين ذهبت المخصصات التي صرفت فقط من أجل معالجة قضايا رجال المقاومة وترتيب أوضاعهم، بدءً بالمستحقات الشهرية ومرورا بعلاج الجرحى وتعويض أسر الشهداء وانتهاء بمصاريف الإعاشة والسلاح والذخيرة والوقود ؟ كيف أفهم أن من حرر عدن وطارد الغزاة وأخرجهم بعيدا عن عدن ولحج وأبين وشبوة ما يزال بلا ماهية شهرية بينما يسطو بعض القادمين من فنادق السبعة نجوم على المنشآت والمباني ويستولون على عشرات الملايين مقابل لا شيء؟

المسألة إذن ليست نزاعا على أرضية، وقد كان هذا السبب كافيا للاستياء والسخط وإثارة السخرية والتندر، بل أن المسألة أبعد وأعمق وأكثر تراجيدية وكوميدية في آن واحد.

من حقنا أن نتوجه إلى الإخوة القائمين على الأجهزة الأمنية والعسكرية في عدن وفي المحافظات المحررة بالنصيحة: أن لدى المواطنين ما يكفي من مصادر القلق والخوف والذعر والرعب فإذا لم تكونوا سببا في تخفيف هذه المعاناة عنهم، عليكم أن لا تكونوا سببا إضافيا لمضاعفة معاناتهم، دعوا المواطنين في خوفهم وقلقهم واختلفوا بعيدا عنهم، لكن عليكم أن تعلموا أن ما يجري لا يسمح لكم بالتبجح باسم الشرعية! والشعب! والوطن! والثورة! وغيرها من المفردات التي كانت ذات يوم مقدسات والتي استهلكها الفاسدون حتى أفرغوها من كل معنى جميل، وحولوها إلى مفردات مقززة ومثيرة للسخرية.

بقيت الإشارة إلى أن الفساد في كل الدنيا يبدأ صغيرا ثم يتسع وينمو ويكبر ليبلغ حالة الظاهرة العامة، وقد يحارب منذ نشأته ويقطع طريقه قبل تحوله إلى ورم خبيث ومميت، أما في أيامنا فيبدو أن الفساد قد ولدا كبيرا بالغ الرشد، أو هو ربما قد جاء تواصلا للوريثة الكبيرة التي خلفها لنا نظام 7/7 ولا توجد حتى نية لمجرد الخجل من انتشاره وابنعاث روائحه الكريهة في كل البقاع.

سينتظر الطيبون من الرئيس هادي ومن نائبه الأستاذ بحاح ومن محافظ عدن العميد الزبيدي ومحافظي لحج وأبين د الخبجي ود. السعيدي إجراءات قاسية وصارمة تؤكد صدق نيتهم في محاربة الظواهر المرضية التي يفترض أن تتفاخر بها الشرعية ومناصروها، وتقديم نموذج يغري بقية المحافظات على اللحاق بعدن وزميلاتها من المحافظات (المحررة)، وإلا فإن كل التغييرر الذي تتحدثون عنه سينحصر على مجرد تغيير الأسماء مع الإبقاء على العلة والجسد المعتل دونما مساس.