الشباب في اليمن بين الجموح والجنوح وصناعة اليمن الجديد.

2016-01-29 14:05
الشباب في اليمن بين الجموح والجنوح وصناعة اليمن الجديد.
شبوه برس - خاص - دبي

 

أكثر من أربع سنوات مرت على جمعة الكرامة في صنعاء التي راح ضحيتها شباب يمني غيور على أرضه ومستقبل بلده. صور المذبحة التي استخدمت فيها قوات الأمن الرصاص وعربات المياه الساخنة وقنابل الغاز لا تزال ماثلة في الذاكرة ،من قاد جمعة الكرامة والجمع التي سبقتها والتي لحقت بها هم شباب من محافظات مختلفة وكانت حينها تلك التجمعات هي محطات استعداد وانطلاق لتغيير النظام المركزي القائم في صنعاء.

 

وتزامن ذلك مع ثورات الربيع العربي في المنطقة والتي شهدها عام 2011 وما تبعها من إرهاصات فكرية وسياسية واقتصادية عمت المنطقة ككل واستمرت تداعياتها حتى وقتنا الحالي. 

افتقاد الشباب حينها للتنظيم والقدرة على التنسيق وخلق جبهة موحدة سمح بوجود ثغرات في تحركاتهم الثورة العفوية أفضت إلى استغلالها من قبل قوى سياسية متنفذة لخدمة مطامع سياسية لفئات حزبوية وسلطوية ولكن ذلك لا يعني أن تحركات الشباب قد انتهت أو جف معينها ولكن جموحهم الثوري الذي لا يستهان به استغل كوسيلة لخدمة غايات أطراف سياسية وقد استمر الوضع حتى عندما وجهوا الحوثيون ثورتهم المزيفة تحت مزاعم حماية مصالح الشعب في نطاق المحافظات الشمالية من اليمن واستخدموا العديد من الشباب كدروع بشرية للوصول إلى غاياتهم.

 

ومن داخل عدن بوابة الجنوب سيرصد التاريخ ذكرى اعتصامات خورمكسر التي شكلت منعطفاً تاريخياً في تأكيد دور شباب الجنوب في المطالبة بحقوقهم المختلفة وعلى رأسها إعادة دولتهم.

خطب الحماسة والتصعيد من منصة ساحة الاعتصامات في خور مكسر شكلت أحد المنطلقات الفكرية للمقاومة الجنوبية المسلحة التي واجهت الهجوم المباغت الذي قاده الحوثيون وقوات صالح على عدن ولحج والضالع وأبين.

هؤلاء الشباب المسالمون في ساحات الاعتصام سواء كانوا تابعين لحراك جنوبي أو سلفيين أو مستقلين لم ينطلقوا من انتماء سياسي أو ديني وإنما انطلقوا كقوة واحدة للدفاع عن أرضهم وعرضهم.

 

خالد الجنيدي كان أحد الرموز الشبابية التي قادت شباب الجنوب في ساحات الاعتصام وفي إدارة العصيان المدني وخطبه مثلت أحد الروافد الأساسية لدفع الشباب الجنوبي السلمي للمطالبة بحقه في تقرير مصيره ومصير الجنوب ككل.

وكانت حادثة اغتياله أحد محطات الانطلاق لتعزيز الحراك الثوري الجنوبي. لكن حماس الشباب لم يخمد باستشهاد الجنيدي واستشهاد شباب آخرين واجهوا وناضلوا في عدن والضالع وحضرموت وسائر محافظات الجنوب.  حيث انطلق الشباب من جديد عبر المقاومة الجنوبية التي تكونت معظمها من شباب مدني قاوم جيش الحوثيين وصالح بأبسط وسائل الدفاع وتساقط المئات منهم  شهداء في أحياء عدن العتيقة وعلى سفوح جبال الضالع. قُتلواً بدم بارد وهم يبحثون عن مستقبل جديد لعدن وللجنوب ولم يكونوا من الباحثين عن السلطة أو مردود مادي.

 

النضال الشبابي لشباب اليمن في الشمال والجنوب لم يعد مقتصراً على ساحات التغيير والحرية والاعتصام في صنعاء، عدن، تعز، والمكلا ولا ينحصر فقط في ساحات القتال ضد المتمردين الحوثيين والموالين لهم بل هناك أجندة شبابية خاصة بهم صيغت بأيدي الشباب وتضمنت آرائهم وأفكارهم لترسم الغد الأفضل لليمن سواء في شماله أو جنوبه. وهذا يعني أن الشباب أضحى صانع قرار داخل اليمن وهو ما ظل مفتقداً له طوال عقود عديدة.

 

وقد برز دور الشباب العسكري والمدني داخل الجنوب بشكل واضح من خلال أنشطة عديدة لإعادة الاستقرار والأمن لمدنه بعد أن انتهك حرماتها الحوثيون وقوات صالح وعملاؤهم وتلك الأنشطة قد تضحى في المستقبل أساساً متيناً لإعادة تشكيل ثقافة المجتمع نفسه سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية للتخلص من مثالب الماضي من فساد مالي وإداري واستبداد في القرار ومحسوبية وظواهر اجتماعية سلبية والبدء في تخطيط صفحات جديدة.

 

وهناك العديد من صور الأنشطة الشبابية سواء في نطاق الحي أو المدينة  أو عبر منظمات المجتمع المدني وتلك الأنشطة الشبابية تشكل الأمل في تغيير اليمن بشماله وجنوبه إلى يمن جديد سواء في مجال نشر الأمن أو الابتعاد عن الفكر المتطرف أو رسم صور التعاون والعمل الجماعي.

 

الشباب  في اليمن يواجه مخاطر عديدة سواء بعد تحرير المحافظات الجنوبية من الحوثيين وقوات صالح أو بعد انتهاء المواجهات العسكرية في المحافظات الشمالية وبدء العمل في بناء الدولة. وأحد أبرز الأخطار تتمثل في استغلال شرائح من الشباب وتجنيده من قبل أطراف سياسية مختلفة للانخراط في تنظيمات متطرفة أو عصابات تخريبية لتحقيق أجندة سياسية خاصة بتلك الأطراف والقوى السياسية داخل اليمن وخارجها. مما قد يساهم في تعزيز صور عديدة لجنوح الشباب في ممارسة القتل والدمار والتخريب على أرضهم والتسبب بالأذى لوطنهم. هذه الفئات الشبابية الضالة أضحت عبئاً على المجتمع وعنصر تهديد لأية سلطة قائمة وهو ما تواجهه عدن حالياً من فلول متناثرة تزعم أنها تتبع القاعدة وداعش. وعلى الرغم من أنهم لا يشكلون سوى نسب ضئيلة ولا يعكسون الصورة الحقيقية لشباب الجنوب إلا أن عملية استمرار تجنيدهم سواء من داخل المحافظات الجنوبية أو من خارجها قد تستلزم تبني خطوط وقاية وحماية اجتماعية وسياسية وأمنية.وتبرز أهم هذه الخطوط بشكل أولي في الدفع والتعزيز من دور الشباب الحالي داخل الجنوب سواء عبر المقاومة الجنوبية أو الأنشطة الشبابية المدنية المختلفة ومنحهم الفرصة لتسلم دفة القيادة في نطاقات المجتمع المختلفة مما يساهم في تجديد المجتمع بشكل إيجابي وضخه بالوقود الذي تمثله الوجوه الجديدة اليافعة لتحقيق نقلات نوعية وإحداث تغييرات جذرية في المجتمع. والابتعاد عن تبني سياسات التهميش والتغييب ضد الشباب بتسليم القيادة لقوى سياسية وعسكرية ضمن النخب القديمة وإعادة تعيين نفس الوجوه القديمة في الأجهزة الحكومية في عملية تغيير سطحية وغير حقيقية سواء على مستوى المحافظات أوالمدن الرئيسية.

 

الشكاوي الأخيرة التي انتشرت بين صفوف المقاومين الجنوبيين داخل كرش والضالع ومن داخل لودرومكيراس التي لا تزال تتعرض لضربات الحوثيين وصالح الغادرة تشير إلى أن الشباب في المقاومة لا يزال يعاني من انتقاص حقوقه سواء المالية أو الإدارية والتي قد تصل إلى حد إجراء تعيينات لعناصر خارجية دخيلة على المقاومة مما قد يوقظ العديد من النعرات النائمة وهو أمر لا يخدم الصالح العام سواء ما يخص المواطنين في الجنوب أو المواطنين في الشمال.

 

الشباب أصبح يعي متاهات الثورات السلمية التي قادها والمقاومة المسلحة التي انخرط فيها ليتبنى توجهات جديدة تجعله الغاية في تجديد كل شيء وليس الأداة والوسيلة لتحقيق غايات الآخرين. ومن الأفضل أن يستوعب القادة الجدد الدروس المختلفة التي كتبها الشباب بدمائهم وأرواحهم مما ساهم في خلق شباب واعي بمشاكل أرضه وقادر على التمييز بين الحق والباطل.

 

في إحدى خطاباته الملفقة للشعب اليمني أثناء مظاهرات ثورة 2011 صرح علي عبدالله صالح بأن "عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء" قد يكون قد فهم الدرس ولكنه فشل في استيعابه وظل اليمن أسيراً لتوجهات فكرية تقليدية جامدة سواء كانت حزبية أو قبلية أو دينية. وهذا ينطلي على أية حكومة جديدة داخل اليمن إذا لم يتم تغيير الأُطر الفكرية والعملية لتأسيس واقع جديد. فتجديد البرلمان عبر انتخابات شكلية جديدة أو تحويل النظام السياسي من رئاسي إلى برلماني أو من مركزي إلى فيدرالي أو طرح دستور جديد لن يشكل أي فرق في الواقع العملي إذا لم يرتبط بتغييرات جذرية ملموسة في الفكر القائم وفي آليات التنفيذ سواء في النطاقات السياسية ، العسكرية، الاقتصادية أو الاجتماعية واستيعاب رغبات الشعب نفسه وفي المقدمة الشباب حامل مشعل التحرير والتغيير للعمل على ضخ دماء جديدة لمستقبل اليمن الجديد.

 

د.هيفاءالمعشي – باحثة دبي