قبل سنوات كنت أرى أن الغلو سيتوسع؛ لما كنت أراه من عمق الغلو ومكر الغلاة؛ أكاد يومها أن أجزم بهذا.
كان بعض الأخوة - أسماء مشهورة - يقولون : أنت فقط معك خصومة مع الغلاة والمتطرفين؛ وإلا فهم أضعف مما تتصور وسينتهون قريباً وننطلق وو الخ؛ سبب تشاؤمي يومئذ هو سبب تشاؤمي اليوم؛ وتتلخص رؤيتي في: (( أن حرب الغلو دون بحث جاد صادق لجذوره ومصادره ورموزه ...لا يشجع على هذا الأمل)).
أهم السطور الناقصة في مواجهة الغلو - بما يحمله من إرهاب وعنف - هو التوجه نحو النقد الجاد لجذور الغلو؛ لا أدري - حتى الآن - لماذا لم يتم؟!
من مؤتمر الحوار الوطني الثاني؛ برعاية المرحوم الملك عبد الله؛ ومعظم المادة النظرية جاهزة؛ وخاصة في ورقة (القاسم - السكران) ؛ لكن دون تتفيذ! أما المادة المثالية - من مراجعة كتب العقائد وإخضاعها لكتاب الله أولاً ثم ما يشبهه من سنة رسوله - فهذه المادة لم تكتب بعد؛ وهي العلاج الكامل.
الشيطان يغري الناس بالعجلة؛ ويوحي لهم بأن هذا المشروع طويل وصعب؛ والوقت لا يحتمل؛ ثم يدفعهم نحو جهود فكرية ساذجة؛ لا تقنع متطرفاً ولا معتدلا.
إذا كان خطر التطرف والغلو استراتيجياً؛ فالمواجهة الاستراتيجية تتطلب مشروعاً جباراً؛ يُخضع كل كتب التراث لمحاكمة قرآنية صارمة ؛ اي بعث جديد.
اقصد بالبعث هنا؛ بعث الإسلام القرآني المحمدي الأول؛ وإخراجه من تحت أنقاض الإسلام التاريخي السلطوي المذهبي؛ ليُبعث من جديد إسلام الله؛ إسلام الله محارب من إسلام المصالح والتوظيفات؛ ومن كان إسلام المصلحة والاستغلال والقتل أعظم عنده من إسلام الله (إسلام الغايات) فليس مسلماً.
إسلام الله؛ هو إسلام القرآن؛ هو إسلام محمد المتبع للقرآن؛ هو إسلام الغايات من العبادة والتقوى والشكر والعدل والعقل والرشد والرحمة الخ؛ وهذا الإسلام الأول يحتاج إلى مراكز بحثية جادة؛ بباحثين صادقين متواضعين؛ لا يخشون في الله لومة لائم؛ يحبون الحق والصدق ويلتزمون الأمانة.
كثير من المسلمين أصبحوا يخافون من القرآن ومن محمد صلوات الله وسلامه عليه وآله؛ لماذا؟
لأن الغلو سبقهم إلى تقديمهما تقديماً مشوهاً مسيئاً!
لا تخافوا من القرآن الكريم؛ لا تخافوا من النبي محمد؛ لا تخافوا من الرحمة المزدوجة للعالمين؛ خافوا من خوفكم وجهلكم وعدم ثقتكم بالله ورسوله؛ فقط أتيحوا للقرآن أن يتحدث عنه من يؤمن به كله؛ ولا يؤمن ببعض ويكفر ببعض؛ أتيحوا لمحمد أن يكون متبعاً للقرآن وانفوا عنه ما يخالف القرآن؛ لا تتقدموا بين يدي الله ورسوله؛ لا تخافوا منهما ولا عليهما؛ اسمعوا منهما فقط؛ فهما قادران على بيان دين الإسلام أكثر منكم..
تواضعوا؛ وتعلموا؛ أيها المدافعون عن الله ورسوله وكتابه؛ أنتم محامون فاشلون عن قضية عادلة؛ دعوا صاحب الحق يتكلم؛ فقط اسمعوا لله..
اهدءوا؛ وتعلموا منه؛ يأبى الله أن يكون دينه شركة بينكم وبينه؛ ستتعبون في الإقناع والتلفيق؛ ستتعبون وتتعبون الآخرين معكم؛ الدين كله لله؛ ليس لكم منه شيء؛ فاتركوه له.
إذا رضيتم أن يكون الدين كله لله؛ فمعنى هذا أن عندكم الاستعداد لاتباعه؛ ولو أنقص من مصالحكم وكبركم وغروركم وتوظيفكم الخ؛ فهل أنتم مستعدون؟
أيها المدافعون عن الله ورسوله؛ أنتم تخادعون الله وانفسكم والعالم كله؛ أنتم لا تدافعون عن الله ورسوله؛ أنتم تدافعون عن أنفسكم ورموزكم وتراثكم؛ لابد من تصفية النية لله؛ لن يوفقك الله لمعرفة دينه وأنت تشترط على الله أن تكون شريكاً له في البراءة من كل نقص وجهل؛ تواضع لله واخشاه بحق.
قبل عقد تقريباً؛ تشكلت هيئة الدقاع عن النبي في قطر؛ برئاسة القرضاوي؛ من ١٥٠ عضواً تقريباً؛ نصفهم على الأقل مع معظم تلك الاتهامات!
هذا عبث؛ مؤتمرات في الشرق والغرب؛ ندوات لعرض ما يرونه من صورة الإسلام؛ والبلاء منهم؛ لأنهم مستعجلون؛ يدافعون بالرواية الظنية ويكتمون الآية المحكمة.
هنا أتذكر كلمتين للإمام علي:
(أداوي بكم وأنتم دائي؛ كناقش الشوكة بالشوكة)
وقوله:
( لا تقولوا ما لا تعرفون؛ فإن أكثر الحق فيما تنكرون)!
*- بقلم الشيخ حسن بن فرحان المالكي
باحث في الشؤون الشرعية والتاريخ ومهتم بقضايا حقوق الإنسان