«لم ينتبه أحد إلا العالم كارتر مكتشف المقبرة إلى العبارة المكتوبة عند مدخل غرفة الملك، التي تقول: (إن الموت يضرب بجناحيه السامين كل من يعكر صفو الملك)، لكنه مسحها خوفًا من أن يراها العمال فيتوقفوا عن الحفر».
وفي كتابه «لعنة الفراعنة» سرد أنيس منصور قائمة بأسماء بعض الشخصيات، التي أصابتها «اللعنة» من مقبرة توت عنخ آمون، وجاءت على النحو التالي:
«- اللورد كارترفون، ممول المشروع، أصابته حمى مفاجئة وأصيب بالهذيان وكان يقول إنه يرى أناس يعصرون النار في فمه، ثم مات.
- مات واترميس، الذي كان يساعد كارتر في الحفر، وجاءت وفاته بسبب ارتفاع شديد في درجة الحرارة.. فانفجر رأسه.
- طبيب الأشعة أرشيبالدرون، الذي قطع خيوط التابوت ليصور الجثة، أصيب بحمى وتوفي بلندن بعد أيام.
- 13 شخصًا ممن دعاهم كارترفون إلى يوم الافتتاح، ماتوا جميعًا».
ما هو الرد على حقيقة وجود لعنة الفراعنة ؟
مقبرة “توت عنخ آمون” هي المقبرة الوحيدة التي تم العثور عليها كاملة في عام 1922 في وادي الملوك بمدينة “الأقصر”، وهي أيضا المقبرة الوحيدة التي تعرض بداخلها مومياء “توت عنخ آمون” ويسمح للسائحين دخولها بأكبر قيمة تذكرة في “وادي الملوك”.
عن المقبرة وظروف أكتشافها، وما تحتوية من نقوش مازالت بحالة جيدة، ولماذا هي المقبرة الأعلى في رسوم دخولها بين مقابر “وادي الملوك”، وعن ذقن القناع التي أثارت الجدل خلال الفترة الأخيرة، انتقلنا “شبكة الإعلام العربية محيط” إلى الأقصر لمشاهدة تلك المقبرة الفريدة، ومعرفة أهميتها بين مقابر “وادي الملوك”، والقصص الشعبية التي روت عنها من “لعنة فراعنة” لحقت بمكتشفيها وغيرها، ولماذا شك الأثريين في اغتيال الملك “توت عنخ آمون”؟!، هذا ما اجابت عنه المرشدة السياحية سارة حزين من أمام المقبرة.
توت عنخ آمون
في البداية قالت المرشدة أن “توت عنخ آمون” هو أصغر ملك حكم مصر في الأسرة الثامنة عشر، وكان عمره وقتها تسع سنوات، وتوفى في عمر 18 سنة، وتزوج وعمره 11 عاما من ابنة اخناتون الأميرة “عنخ-اس-ان-با-اتون”، وأنجب منها ابن لم يظهر بعد ذلك.
و”توت عنج آمون” هو ابن الملك اخناتون “امنحتب الرابع” الذي نادى بالتوحيد في فترة حكمه، وبعد أن توفي عادت من جديد عبادة الإلاه “آمون”؛ وذلك من أجل مسايسة الشعب كي يتولى “توت عنخ آمون” الحكم، فمن المعروف أن الكهنة هم من كانوا يحكمون البلاد فعليا، وكانوا همزة الوصل بين الشعب والملك، وكي يجلس “عنخ آمون” على كرسي الحكم كان لابد أن يسمع كلام الكهنة. وهو لم يحكم مصر سنوات طويلة، وكان حاكم شكلا لأن رئيس الكهنة كان وقتها الحاكم الفعلي للبلاد، ولم يحدث أي شيء في عهده لا ثورات ولا غزوات.
سر الوفاة
أما عن وفاة “توت عنخ آمون” فقالت سارة: “وفاته كانت سر من الأسرار؛ حيث بحث المكتشف د. زاهي حواس في مومياء “توت عنخ آمون” لشبهة أن يكون مات مقتولا؛ حيث يوجد فتحة في رأسه لكن اتضح أنها فتحة التحنيط التي يخرجون من خلالها المخ، لكنهم وجدوا تجمع دموي في المخ، أي نزيف أدى إلى الوفاة، بالإضافة إلى كسر في فخذ الرجل، فهو كان دائم الصيد؛ لذلك وجدوا أن وفاته كانت لأكثر من سبب، كسر في فخذ الرجل مع عدم الإلمام به نتج عنه التهابات والتي يسموها حاليا “غرغرينا”، وتجمع دموي ونزيف في المخ، وإصابته بالـ”الملاريا” التي كانت منتشرة وقتها، بالإضافة إلى أن “توت عنخ آمون” كان حجم رأسه كبير عن حجم جسده العادي، وكان عنده مرض وراثي لكنه لم يغتيل من أي شخص وهذا ما كشفت عنه الدراسة بعد أكثر من فحص للمومياء الخاصة به.
أيضا كان هناك سبب آخر للشك في اغتيال “عنخ آمون”، وهو أنه كان لديه اثنين من المساعدين وهم “آي” رئيس وزراءه، و”حور محب”؛ حيث تزوج “آي” بعد وفاته من زوجته، وحكم مصر لفترة قصيرة؛ لذلك شكوا في أن يكون تم أغتياله من أجل الحكم، وخصوصا أنه وثق بالكتابة أن “توت عنخ آمون” توفي بسبب مرضي وأن رئيس وزراءه تزوج من أرملته، التي أنجب منها طفل لم يظهر بعد. كما عثروا على بردية تثبت أن أرملته ارسلت لملك من الملوك أن يرسل في الزواج بها، لكن هذا الملك اغتيل حينما كان في طريقه إلى مصر ليتقدم لخطبتها؛ ولذلك كان هناك شك في اغتيال “توت عنخ آمون”، وخصوصا بعد زواج أرملته من “أي” رئيس وزراؤه”.
اكتشاف المقبرة
أما عن ظروف اكتشاف المقبرة فحكت المرشدة السياحية “سارة” أنه في عام 1922 اكتشف “هوارد كارتر” إحدى المقابر في وادي الملوك، وكان عنده حصان يلعب بقدمه في الأرض أثناء راحة العمال وشربهم المياة، فظهر أول سلمة من مقبرة “توت عنخ آمون”، فانتبه لها كارتر وأمر العمال بالحفر في المقبرة وبالفعل وجدوا مقبرة “توت عنخ آمون”، وهي المقبرة الوحيدة الملكية التي وجدت مكتملة ومغلقة بالشمع الأحمر منذ أن انشأت، ووصلوا لحجرة الدفن بعد عام في 1923، ووجدوا اغلبيتها “ذهب”، وتوابيت من “ذهب”، كما وجدوا أول عرش ملكي مكتمل، وقناع ذهبي والذقن الذي حدث حولها المشكلة التي أثيرت مؤخرا.
وتم بعد ذلك نقل محتويات المقبرة في مكان مخصص لها في الدور الثالث من “المتحف المصري” بالقاهرة، ضم العجلات الحربية لتوت عنخ آمون، وعجلات الصيد لأنه كان يهوى الصيد. أما عند فك التوابيت الثلاثة للمقبرة، فاستطاع الأثريين فك تابوتين، لكن الثالث الذي كان بداخله “المومياء” فكان الكفن ملتصق بالتابوت ولم يستطيعوا فكه، فاقترح المكتشف أن يضع التابوت في الشمس حتى ينفك من الكفن من شدة حرارة الجو، إلا أن ذلك لم يأتي أيضا بنتيجة، فاضطروا إلى قسم التابوت وإخراج المومياء منه، ولحم التابوت مرة أخرى بعد ذلك.
وما يميز توابيت “توت عنخ آمون” كما قالت المرشدة السياحية أنها على هيئة بشرية بخلاف باقي توابيت الملوك، كما أنهم عندما خرجوا “المومياء” من التابوت وجدوها مرصعة بالكامل من الأحجار الكريمة، فالمتوفي يحنط بالكتان، ويكون الوجة والجسد ممتلئ بالحلي، وحولة “الأوشابتي” وهو عبارة عن 365 تمثال يمثلون الملك ويقومون بخدمته في العالم الآخر.
وأوضحت سارة أنه كان هناك فارق في الفن في الفترة التي عاش فيها “توت عنخ آمون” عن الفترة التي سبقتها، فسابقا كان يمثل أي شخص جميل، لكن في عصر “توت عنخ آمون” كان الفن واقعي، وتمثل أشكال التماثيل أصحابها بالضبط. مؤكدة أن مقبرة “توت عنخ آمون” هي المقبرة الوحيدة في وادي الملوك التي يوضع بداخلها “المومياء”، وذلك حتى لا تتهالك من نقلها لأن حالتها ليست جيدة.
أما عن المقبرة ككل فهي المقبرة الأفضل حالا من المقابر الأخرى التي تجاورها؛ وهي الوحيدة التي لم يتم نهبها، وعادتا ما تنقل محتويات المقابر من مومياء أو أثاث جنائزي إلى متحف “التحنيط” أو متحف “الأقصر”.
القناع والذقن
أما عن قناع وذقن “توت عنخ آمون”، فقالت سارة: “يمثل القناع وجه “عنخ آمون”، ومصنوع بأكمله من الذهب، ودائما كان يرتدي الملك ذقن تسمى الذقن الملكية، مع وجود شعر مستعار وأكثر من تاج، وهذا الماسك كان يمثل وجه الملك ويسمى تاج “النمس”، والذقن يتم لصقها لأنها مخلوعة من الوجه؛ وذلك لأن طريقة إخراج الأثاث الجنائزي من المقبرة ليست بالسهولة؛ لأنها مدفونة منذ آلاف السنين، فعند إخراجها خلعت منهم الذقن وحاولوا لصقها مكانها بمادة معينة بشرط ألا يؤثر هذا الترميم على الأثر لا في الشكل ولا الخامة حتى لا يؤدي إلى تدميرها، وكانت ذقن “عنخ آمون” سليمة وتم لصقها منذ اكتشافها في الماسك نفسه. أما عن الواقعة الأخيرة للذقن فأدانت فيها سارة العامل الأثري الذي قام بلصق الذقن بمادة أضرت به وشوهته حتى ظن البعض أنه قناع وذقن غير حقيقيين.
محتويات المقبرة
و”توت عنخ آمون” كان في الأسرة (18)، ومقبرته هي أصغر مقبرة في “وادي الملوك”، بداخلها حجرة الدفن، وجدرانها منقوشة برسوم عن الملك بين الآله المختلفة، ففي أحد جدران المقبرة يوجد “مومياء” المتوفي التي تأتي على المراكب في مقصورة ويجرها العمال كي يدخلوها في حجرة الدفن، وبالداخل يوجد المتوفي والكاهن “أيلوت إيت”، ومعه آله فتحه الفم وعودة الروح مرة أخرى، والإله “أوزوريس” إله المحاكمة، والإله “إيزيس”، و”توت عنخ آمون” يظهر بين الآلهه “أوزوريس” و”الكا” التي تمثل الجسد، و”البا” التي تمثل الروح، ونجد جميع النقوش بهذا الشكل، فلا يوجد جسد بدون روح ولا جسد، فهذه عقيدتهم. كما تم رسم الكتاب السماوي عند عقيدتهم “أيمي دوات” وهو كتاب موجود في العالم الآخر يؤمنون به، ويمثل الحياة الثانية في الجنة، كما تضم النقوش رسوم للقرود؛ حيث تم اختيارهم لأن حركتهم بها تهليل وفرحة بالإلاه “آمون رع” المتمثل بقرص الشمس، كما تكتب جميع المقبرة بالتعاويذ، كما يجب أن تكون النقوش الموجودة بداخل المقبرة مكتوبة من الكتب حتى تسهل “الرحلة الليلة” التي يخوضها المتوفي كي يذهب للحساب.
فبعد فتح الفم وعودة الروح للجسد مرة أخرى، يأتي مركب يحمل مجموعة من الآلهه الحاميات يركب عليها المتوفى ويسير بها، كما يوجد حيوان اسمه “عبب” أو “أبو فيس” وهو حيوان متوحش خليط بين فرس النهر والتمساح، وهو ذات وجه مخيف، يشرب المياه كي يغرق المركب ويأكل المتوفي ولا يذهب للحساب، فالآلهه الحامية تضرب بطنه بالحراب فيخرج منها الماء فتسير المركب بسلام، ثم تصل للإلاه “أوزوريس” إله المحاكمة كي يتحاكم المتوفي. وفي عملية التحنيط تخرج أجزاء المتوفي، وتأتي الإله “جيبوتي” والآلهه “ماعت” إلاه العدالة، ومعهم ميزان، يضعوا في كفة قلب المتوفي، وفي الكفة الأخرى ريشة العدالة، فلو طبت كفة القلب كانت أعمال المتوفي سيئة فيلقوا به للحيوان المتوحش، أما لو طبت الريشة فأعمال المتوفي تكون خيره ويذهب لحقول “الأيار” أي حقول الجنة، وهي حقول كبيرة جدا ممتلئة بالفاكهة.
ويوجد “التابوت” في حجرة الدفن، ويصنع من حجر الكوارتز، وكل النقوش عليه توصف “الإيمي دوات”، والإلاه أوزوريس، والآلهه “نوت” إله السماء، ودوما ما نجد أسقف المقابر تمثل السماء زرقاء اللون وبها نجوم بيضاء، أو تمثل سيدة منحنية تبلع قرص الشمس ثم تلدها نسبة إلى الغروب والشروق.
وعن مومياء “توت عنخ آمون” أوضحت المرشدة السياحية أنها الوحيدة الموجودة في وادي الملوك، وتحفظ في درجة حرارة معينة حتى لا تتلف، مضيفة أنهم لم يستطيعوا نقلها كي يحافظوا عليها من التلف.
لعنة الفراعنة
وحكت المرشدة السياحية سارة حزين أن مقبرة “توت عنخ آمون” ارتبطت بقصة “لعنة الفراعنة”، نظرا لموت معظم العمال اللذين قاموا بفتح المقبرة، لكن لا يوجد ما يسمى بشكل حقيقي بلعنة الفراعنة، وما حدث في مقبرة “توت عنخ آمون”، أنه عند فتح المقبرة كانت تفتح لأول مرة منذ أكثر من 3 آلاف سنة بعد إغلاقها بالشمع الأحمر، فأخرجت غازات سامة قتلت على أثرها معظم العمال الموجودين بأمراض صدرية.
وأكدت سارة أن هذه المقبرة لها رسوم دخول أكبر من أي مقبرة أخرى وبعدها مقبرة رمسيس السادس ولهما شباكين تذاكر منفصلين؛ وذلك لأن مقبرة “توت عنخ آمون” الوحيدة التي وجدت مكتملة، كما أن حالتها من أحسن المقابر، وتذكرة دخولها للمصري 25 جنيه، على الرغم من أن تذكرة الدخول للوادي بأكمله 4 جنيهات، ورسم دخول السائح الأجنبي للمقبرة 100 جنيه والطالب 50 جنيه، أما مقبرة رمسيس السادس فتذكرة دخولها بمفردها أربعة جنيهات للمصري، وخمسون جنيها للأجنبي، وثلاثون جنيها للطالب الأجنبي؛ وذلك لأنها مقبرة جميلة ونقوشها على الجدران بحالة جيدة.
*- محيط - القاهرة