صورة لبعض العلويين في شرق اسيا
السادة آل باعلوي الحضارمة حماةُ العقيدة، وخُدّام الكتاب والسنة وفرسَانُ دعوة الإسلام (الجزء الخامس)
بقلم/ د. محمد أبوبكر باذيب
لفت نظر:
هناك أمور يصعب في أيامنا هذه كتمانها، أو الابتعاد عنها، من الدخول في حوارات مع المخالفين، وهذه أمورٌ لها حسنات وسيئات، فمن حسناتها أن يطلع ويقف الإنسان على الحقائق مجردةً عن أهواء الناقلين، ومن سيئاتها أن بعض قليلي العلم والتحصيل يتلقفون الشبهات التي لا يستطيعون ردها فيقعون في الشكوك. وقد تنبه الإمام عبدالله بن علوي الحداد لهذه الحيثية، فقال في رسالة منه لبعض مريديه وتلاميذه، الذي كتب إليه يسأله عن قيمة كتاب «الفصول المهمة» للصباغ المالكي، فأجابه بجواب في غاية الروعة والدقة والفهم: «.. فهو كتاب مليح، وليس في مطالعته محذور، ونحن قد حصلناه وطالعناه، ومصنفه من أهل السنة والجماعة، وتخصيصهم بذكر مناقبهم لا يدل على شيء، فقد ذكر الشيخ ابن حجر مناقبهم والثناء عليهم في «الصواعق». وذكر مذهب الغير لا يلزم منه الأخذ به. فشأن المصنفين والعلماء نقل المذاهب، ونقل أقوال الموافقين والمخالفين. والمذكورون في الكتاب من أكابر السلف الصالحين، ومن أئمة الدين. وإنما المحذور حصر الإمامة الظاهرة، كما تقول به الفرقة المخالفة، وفقنا الله وإياكم، وجعلنا من الذين هداهم الله لما اختلف فيه من الحق بإذنه»(42).
كما نلفت النظر الى أمر مبحث مهم أورده العلامة المفتي السيد علوي بن طاهر الحداد باعلوي (ت 1382هـ) في كتابه النافع المفيد «عقود الألماس»، في ذكر معتقد السادة آل باعلوي، وتنبيهه على وقوع الزلل من بعض معاصريه من السادة بالتجرؤ على اقتحام أمر خطير، وهو المنافحة عن الإمامية، والرد على أهل السنة الأشاعرة ، الى غير ذلك مما أطالَ به. فهو ببيانه ذلك أقام الحجة على أن آل باعلوي لا يسكتون في كل عصرٍ على من شذَّ منهم برأي، أو تفرّد بخلافِ ما عليه جمهورُ المسلمين، من السلف عموماً، ومن سلفهم من آل باعلوي خصوصاً، ولاشكّ أن الحكم والاعتبار للسواد الأعظم.
* * *
ما أشبه الليلة بالبارحة:
إن الهجمة التي يتبناها بعض المغرضين في هذه الأيام، قاصدين منها تشويه هذه الأسرة الكريمة، والبيت الشريف المحتد، ليست بالجديدة ولا بالغريبة عن واقع المسلمين المتداعي المريض. فقبل قرن من الزمان، وفي النصف الأول من القرن الرابع عشر، ثارت زوابع وعواصف لا أخلاقية، رصدتها ذاكرة التاريخ، ودونتها في سجلاتها المتراكمة. نكتفي من الأمثلة المرصودة، بمثالٍ ونموذجٍ واحد، يكشف لنا عما جرى في زمَنٍ متقدم.
كتبَ الأستاذ الصحفي المخضرم، السيد أحمد بن عمر بافقيه باعلوي (ت 1426هـ) في صحيفته الشهيرة «صحيفة العرب» التي كان يصدرها في سنغافورا، مقالاً عنوانه «الحدُّ القاطعُ لاتهام العلويين بالرفض»، نشر في الصفحة الأولى من تلك الصحيفة بتاريخ يوم الجمعة 3 ذي القعدة سنة 1350هـ/ 1930م. جاء فيه قوله: «يتشدَّقُ بعضُ ذوي الأغراضِ باتهامِ العلويينَ بالرفضِ، وهم أبعَدُ الناسِ عنه، بمعناه المعروف عند أهلِ السنة والجماعة من كل جماعةٍ أخرَى في المسلمين، ليسوا أبعدَ عن الرفضِ فحسب، بل أبعدُ عن كلِّ تشيعٍ لا يتفقُ مع مذاهبِ أهلِ السنة، لأنهم من أشدِّ الناس تمسّكا بطريقةِ الرسولِ وخلفائه الراشدين من بعده وسلفِ الأمة. وإذ لا يجدُ هؤلاء المغرضونَ ما يدعمون به اتهامهم الباطل، يقولون : إنّ العلويينَ يتستّرون عن الظهور أمام الناس بالرفض!!.
وقد اصطلحَ الناسُ على تسمية أنصارِ أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أولاد علي بن أبي طالبٍ t شيعةً، والشيعةُ فرقٌ، أقربهم إلى الصواب الزيديةُ، وليسَ بينهم وبين أهل السنة كبيرُ خلافٍ في المعتقدات كما ذكر المحققون. والعلويون ليسُوا حتّى من هذه الفرقة، كما هو الثابتُ من أعمالهم وكتبهم وسيرةِ سلفهم، بل هم كما قلنا : من أشدِّ الناسِ تمسكا بمذهب أهل السنة، ولو كانَ هناك شيء مما يرميهم به المغرضُون لجاهروا به ودعوا الناس إليه، لأنّ من يعتقدُ شيئا -خصوصاً فيما له اتصال بالدين- يعملُ على بيانه ونشره، ما دام لا يضطره على كتمانه أمرٌ قاهر. والعلويون أحرارٌ في إبداء آرائهم، سواءً كانوا في هذه البلاد أو في غيرها، فلمَ لا يعلنون الرفض إن كانوا يرونه ؟ ويدعون إليه نهارا جهارا ؟ فهل هناك قوةٌ قاهرةٌ تمنعهم ؟ أم هم كغيرهم أحرارٌ ، وغايةُ ما في تظاهرِهم به : أن يكون موقفُهم من بقية المسلمين موقفَ شيعةِ اليمنِ والعراق. والغريبُ أنه بالرّغم من أنه لم يبدُ من العلويينَ إلا ما يدلُّ على شدة تمسّكهم بمذهب جمهورِ أهل السنة، لا يتهّمهم المغرضونَ بما يشبه تشيّعَ الزيديةِ فحسبُ، بل بـ«الرفضِ» الذي هو الغلوُّ في التشيع.
- للعلويين مؤلفاتٌ تعدُّ بالألوف، فهل حوتْ شيئا مما يتهمهم به أعداؤهم؟
- للعلويينَ من المساجدِ ما ربما يبلُغ الألفَ، فهل ظهر في واحدٍ منها شيء مما يتهمهم به ذوو الأغراض؟ أم أنهم في جميع مساجدهم بلا استثناءٍ يترضَّونَ عن الخلفاء الراشدين في خطب الجمعة، على الترتيب المعروف في مساجد جمهور أهل السنة، فيترضَّون عن أبي بكر فعمر فعثمان فعلي رضي الله عنهم.
وإذا قلنا (العلويون)، فإنما نعني طبعا الأغلبية الساحقة منهم، أما أن يرَى فردٌ أو أفرادٌ قليلونَ غيرَ ما تراه أكثريتهم المطلقة، فلا ينهض دليلا ينفي ما عُرفَ عنهم من حرصهم على التمسك بمذهب أهل السنة والجماعة، بل إن كونَ هذه الأقليةِ لا تتجاوز أصابع اليدينِ مما يؤيدُ أن العلويينَ من أبعدِ الناسِ تأثراً بالتشيع، معَ أنهم من أهل البيت، وأولى به وبالغلوِّ في محبة الامام علي كرم الله وجهه، غير أنهم لا يرَون ذلك. وإن زعمَ المغرضونَ أن هذه الأقليةَ أكثرُ من عددِ أصابع اليدين، لا يستطيع أحدٌ مطلقا أن يزعمَ أنها تبلغُ ولو عشرَ العشرِ من العلويين، على أنّ هذه الأقلية لم تذهبْ في تشيعها إلى أكثرَ مما ذهبت إليه الزيدية»(43).
موقف علماء آل باعلوي من مكائد أعداء الإسلام وشبهات المنصرين ومن الفرق الضالة التي ظهرت في العصر الحديث
كفرقة القاديانية
لم يكن علماء آل باعلوي، وهم يشكلون أجزاء كبيرة من النسيج الاجتماعي في عموم العالم الإسلامي، إلا أن يهتموا بكافة الشئون التي تجري على إخوانهم المسلمين، وأن يشاركوهم في التصدي لمكائد أعداء الإسلام، فقاوموا التنصير، واتخذوا كافة السبل لحفظ المجتمعات الإسلامية في المناطق النائية من ذلك الشر العظيم، فشادوا المساجد والجوامع، وأسسوا المدارس، وانتشروا في الأدغال، واخترقوا الصحارى، وصعدوا الجبال، وهبطوا الوديان، كل ذلك في سبيل إعلاء شأن كلمة التوحيد.
كما وقف علماء آل باعلوي أمامَ مدّ الفرق الهدامة، وصدعوا بالحق في وجه دعاتها، وأعلنوا النكير عليها. كتلك الفرقة الضالة المضلة، المعروفة بالقاديانية، التي ظهرت في الهند، وانتشرت في عدد من البلدان الإسلامية شرقاً وغرباً. وامتدت نيرانها المحرقة الى أرخبيل الملايو، وإلى شرق أفريقيا.
فكان من المتصدين لها في بلاد الملايو، فضيلة مفتي جوهور، السيد العلامة علوي بن طاهر الحداد باعلوي (ت 1382هـ)، فكتب مقالات عديدة في الصحف العربية والملايوية، في التحذير من تلك الفرقة، الخارجة عن الإسلام، وأوضح بطلان ما هي عليه في الاعتقاد، وحذر من ضلالاتها، وقد جمعت تلك المقالات في أربعة كتيبات لطيفة الحجم، طبعت باللغة الملايوية في ولاية جوهور، بدولة ماليزيا، بعنوان «أنوار القرآن الماحية لظلمات متنبي قاديان»، طبعت سنة 1376هـ/ 1956م.
وتقديراً لجهود العلامة مفتي جوهور في الدفاع عن حياض الإسلام، كتب الأستاذ محمد جسمي بن عبد الرحمن، أطروحته للماجستير، باللغة الملايوية الحديثة، في قسم التاريخ بكلية العلوم الاجتماعية والبشرية، بالجامعة الوطنية بماليزيا، سنة 1992-1993م، وكانت بعنوان «السيد علوي بن طاهر الحداد : خدمته، وجهده ودوره في هدم الفرق الضالة بجوهور 1934-1961»، تقع هذه الأطروحة في حوالي 180 صفحة، وقد قام بترجمتها الى العربية أخينا السيد الفاضل توفيق جمل الليل، من أهل برليس، وقمت بإعادة صياغتها وتصحيح عباراتها، تمهيداً لنشرها خدمة لتراث المفتي الحداد، الغني الثري.
وامتداداً لذلك الجهد الذي قام به مفتي جوهور في شرق آسيا، فإن تلميذه الأنجب الأعلم، الداعية الجليل، السيد أحمد مشهور الحداد باعلوي، (ت 1416هـ)، دفين المعلاة بمكة المكرمة، قام بنحو ما قام به شيخه، في موطن إقامته في شرق أفريقيا، حيث قام ضد انتشار أفكار القاديانية في تلك الأصقاع، وعمل على توعية المسلمين بذلك الخطر الداهم.
* يتبع الجزء السادس .
* للإطلاع على الجزء الرابع : اضغـــــــط هنــــا