عبد الرحمن منيف ورواية شرق المتوسط! في عام 72م كتب د.عبد الرحمن منيف روايته الأولى «شرق المتوسط « وكما قال إنه كان متوجساً من عدة جوانب ككل مبتدئ في خط جديد حيث كان خطه الأساسي يميل للنشاط السياسي وكانت رواية شرق المتوسط أول محاولة من نوعها في المحتوى والمضمون للاتصال مع الآخر. كتب بعدها أرض السواد وسباق المسافات ومدن الملح وعدداً آخر من الروايات والمقالات وشارك في العديد من الحوارات والموت مرات من موقع الأديب والمفكر المتمكن المفتون بهموم عالمه العربي ومستقبل أمته. وخلال مروري السريع على مكتبتي الصغيرة بحجمها والكبيرة بالكم الذي تحتويه من درر المعارف الانسانية وجدت رواية شرق المتوسط في طبعتها الرابعة عشرة الصادرة في 2004م وبدأت أتصفح مقدمتها الجديدة التي أذهلتني بما حوته من الافكار التي تعتبر تحديثاً للمقدمات السابقة مع إضفاء شرح مستفيض عن بعض ما احتوته الرواية. وبرغم أن الرواية كانت تعبر عن واقع معاش من وجهة نظر الكاتب في -السبعينات من القرن الماضي- إلا انها كانت ايضا استشرافية بامتياز لان من يقرأها اليوم وينظر لما يحدث على الساحة العربية يدرك مدى صدق ما دوَّنه الكاتب وحذر منه قبل ما يقارب نصف قرن من الزمن. الرواية ركزت على الظلم والاضطهاد وتجاهل حقوق الإنسان صغيرها وكبيرها وما ستؤدي اليه تلك الممارسات من العنف والعنف المضاد الذي تعيشه الأمة وستزداد شراسته بدون تردد اذا لم تُتخذ التدابير اللازمة لتصحيح الاوضاع السائدة على الساحة العربية .
والسؤال كم من رموز صناعة القرار في حكومات العالم العربي ورجالها النافذين قرأوا رواية «شرق المتوسط» وتنبهوا لما ورد فيها من أفكار تحذر من المستقبل المجهول المتمثل في الارهاب والطائفية وصناعة العنف وكيف سيتم توظيفها من قبل اعداء الامة لزعزعة الامن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط؟
والواقع ان هذه الرواية وغيرها تثبت انه لم يكن هناك نقص في المعلومات والتحذيرات من احتمالات مؤكدة أن الاوضاع التي كانت سائدة قبل نصف قرن من الزمن ،كانت ستؤدي الى ما هو حاصل على الساحة حاليا من تطرف وعنف بشتى أشكاله وأن كل ما يجري من محاولات للتصدي للارهاب كان من الممكن تلافيه بأقل قدر من التكاليف البشرية والمادية ولكن موضوع الرواية ظل مسيطرا حتى وصل العالم العربي الى ما هو عليه في الوقت الراهن.
رواية شرق المتوسط لازالت وستظل جديرة بالقراءة وأخذ العظة من ثنايا ما ورد في تلك المطبوعة التى أُهملت قراءاتها سياسيا وعمليا في الوقت المناسب .
* المدينة