السادة آل باعلوي الحضارمة حماةُ العقيدة، وخُدّام الكتاب والسنة وفرسَانُ دعوة الإسلام ( الجزء الرابع)
بقلم/ د. محمد أبوبكر باذيب
تيقظ علماء السادة آل باعلوي لما عليه عامةُ الشيعة وخصُوصاً الرافضة من الخطأ
تقدم في الحديث عن السيد المهاجر، نقولٌ فاخرة، كان من ضمنها عبارات تثبت تيقّظَ أكابر السادة آل باعلوي الى ما عليه الشيعة لاسيما الرافضة منهم من الخطأ والابتداع في الدين، ونزيد على ما تقدم نصوصاً أخرى مهمة في الباب، ليكون القارئ على بصيرة.
قال العلامة الجليل الشيخ علي بن أبي بكر باعلوي (ت 895هـ) في كتابه النافع «معارج الهداية»: «فصل: واحذر يا أخي من البدع وأهلها ، وانبذها واهجر أهلها ، وأعرض عن مجالسة أربابها. واعلم أن أصول البدع في الأصول كما ذكره العلماء يرجع إلى سبعة:
الأوّل: المعتزلة؛ القائلون بأن العباد خالقو أعمالهم ، وينفون الرؤية ويوجبون الثواب والعقاب وهم عشرون فرقة.
والثاني: الشيعة؛ المفرطة في حب سيدنا عليّ كرم الله وجهه ، وهم اثنان وعشرون فرقة.
والثالث: الخوارج؛ المفرطة في بغض عليّ رضي الله عنه المكفرة له ولمن أذنب ذنباً كبيراً ، وهم عشرون فرقة.
والرابع: المرجئة؛ القائلة بأنه لا يضر مع الإيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة ، وهم خمس فرق.
والخامس: النجارية؛ الموافقة لأهل السنة في خلق الأفعال ، وللمعتزلة في نفي الصفات وحدوث الكلام ، وهم ثلاث فرق.
السادس: الجبرية؛ القائلة بسلب الاختيار عن العباد ، وهم فرقة واحدة.
السابع: المشبهة؛ الذين يشبهون الحق بالخلق في الجسمية والحلول ، وهم فرقة واحدة أيضاً. فتلك اثنان وسبعون كلهم في النار ، والفرقة الناجية هم أهل السنة البيضاء المحمدية والطريقة النقية»(32).
ومن رسالة بعث بها الإمام عبدالله الحداد باعلوي (ت 1132هـ) لأخيه السيد حامد، وكان في أرض الهند: «فإنه قد بلغنا ما كثر في أرض الهند من مضلات الفتن، وما ترادف بها من البلايا والمحن، وما قد حصل بين أهلها من الخلاف والشتات وعدم الانتظام، وهذا بلاء عظيم. وأفحش منه وأشنع وأقطع، ما بلغنا من ظهور من تظاهر ببغض الشيخين، الصديق والفاروق رضي الله عنهما، وتدين بالرفض المذموم شرعاً وعقلاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وهذه هي المصيبة العظمى، والداهية الدهياء»(33).
وقال أبوبكر بن شهاب الدين باعلوي (ت 1341هـ) في كتابه «رشفة الصادي»: «ولم يكن من أهل البيت الشريف من هو على رأي الشيعة في الانتقاد على الصحابة إلا قليل، بالنسبة لأهل السنة منهم، كبعض أشراف اليمن، وبقايا في طهران والهند، ونبذ في العراق، وفقهم الله للصواب» (34)، انتهى.
وقال العلامة السيد علوي بن طاهر الحداد باعلوي (ت 1382هـ) في رسالته النافعة «إثمد البصائر»، وهي ناقصة لم تكتمل، حرر فيها الكلام على مذهب السيد المهاجر، ثم قال ما نصه: «عاشراً: قد تبينَ بما عددنا من أسماءِ الأكابر، ممن تقدم على عَصر الإمام العريضي ومن عاصره: أن مذهب الإمامية لم يكن يوماً ما مذهباً قوميا لهم، وأنهم نبذوا ترّهات الإمامية على اختلاف فرقهم نبذاً، وقاطعوهم مقاطعةً تامةً، لأنهم عرفوا مقاصدهم وما يرمون إليه. ونحن إذا طالعنا أخبار تلك الفرق ـ مع بعدنا عنهم زمناً وفكراً ـ نفهَمُ أغراضَهم، فكيف بسلَفنا وهم أذكى وأسرح، وقد بلغهم الخبر اليقين عنهم!. وما دعاةُ الفرقِ الإمامية إلا قومٌ سياسيّون، يطلبونَ الحطامَ من أتباعِهم، ويترجَّون الإمارة والغنى وجلالةَ القدر إذا ما ترأسُوا، وما هم بأهلِ دينٍ ولا حِذقٍ ولا نظرٍ بعيد، ومما يدلُّ على ذلك: ما نقلَ من خرافاتهم في الأئمّة وعقائدِهم الغريبة في صفاتِ الله ... يأتون إلى العوام والغوغَاء في قرَى العراق ومدنها ويعدُونهم بخروج إمامٍ يسمونه لهم، ويَغرُّونهم، ويمنُّونهم، ويفتحون لهم أبواباً من الأطماعِ والمواعيد، فيميلُ أولئك لهم، ويبذلونَ لهم صدقاتٍ ومعونةً من أموالهم، فيتمتّع برغدها أولئك الدعاةُ الكاذبون»(35)، إلى آخر ما أطال به، رحمه الله.
ثم قال في موضع آخر تحت عنوان (احترامنا للأئمة): «لا يذهبن الظن بمن قرأ ما تقدم أن كلامنا يمس نفس الأئمة الاثني عشر رضي الله عنهم وغيرهم من أئمة أهل البيت، بل هم أهلنا وسلفنا، ولهم علينا حق الرحم، وما يجب لهم من البر والإجلال لمكانهم ومقامهم، وما مَنَّ الله به عليهم، كما قال إمام الفريقين وشيخ الطريقين ومسند القطرين، شيخنا الحبيب عيدروس بن عمر الحبشي الحسيني العلوي (ت 1314هـ) في «عقد يواقيته»: وقد عوض الله الحسنين رضي الله عنهما في الدنيا بما أصيبا، بأن جعل الله من ذريتهما طاهرين مطهرين، ظاهرين ظهور الشمس بالنفع في القرب والبعد، من أخيار العلماء العاملين المعمدين، والمشايخ المحققين الدالين على طرق رب العالمين، الجم الغفير الذين شهرتهم تغني عن ذكرهم وذكر محاسنهم، ولا يرى شبههم في عَصْر من الأعصار»(36)، إلخ.
تأسف أكابر آل باعلوي لما آل إليه حال بعضهم:
ننقل في هذا الصدد عبارة للعلامة السيد الشهم الجليل مصطفى بن أحمد المحضار باعلوي (ت 1374هـ)، وهي بالدارجة الحضرمية، وردت ضمن رسالة بعث بها من بلدة القويرة بوادي دوعن الأيمن، الى بلدة مشطة في مسفلة حضرموت، شرقيّ تريم، مؤرخة في رجب سنة 1351هـ، ينعي فيها الفتن التي حدثت بين الحضارم في جاوة في تلك الآونة، قال فيها: «وعسى ردة للإسلام والمسلمين، وللعلويين أجمعين، فقد ابتلوا بكثر الكلام، وما تكبته الأقلام، وسطّروا الهرُوج، وضادّوهم العلُوج، ولو سكتُوا عنها، هَزُل سمَنها. ولما كثّروا كلامها، طالَ سنامها، وانتشر خراطها، وامتد صراطها. ولو أنها خارّة مارة، لكنْ ليس بفَتح بابها، وكثر سبابها، فلا تلدُ الكلمةُ إلا كَلام، ولا الكلامُ إلا ملام. وكُثر التشدّق يضيِّع الأحلام. وبصرهم وجاوَتهم، ومذهبهم، كلهم، العَيف الخام، العامة وهّبت في السّادة، والسادة وهَّبتْ في الصَّحابة، وكله تأديب، وهذه بتلك، يؤدب هذا بهذا، وهذا بهذا، لما يرجع كل لحقه، وحق أبوه وجده»(37)، انتهى.
تحذير فقهاء آل باعلوي وعلمائهم من بدع الرافضة كاللطم وغيره من الطقوس المحرمة
مما لخصه العلامة السيد الفقيه عبدالرحمن بن محمد المشهر باعلوي (ت 1320هـ) من فتاوى مفتي حضرموت في عصره السيد العلامة الفقيه عبدالله بن عمر بن يحيى باعلوي (ت 1265هـ) هذه المسألة المهمة، وهي:
«مسألة (ي): العمل بيا حسين في جهة الهند وجاوة، المفعول يوم عاشوراء أو قبله أو بعده، بدعةٌ مذمومةٌ شديدة التحريم. وفاعلوه فسَّاقٌ وضُلاّل، متشبهون بالرافضة والناصبة. إذ الفاعلون لذلك قسمان:
[1] قسمٌ ينوحون ويندبون، ويظهرون الحزنَ والجزعَ، بتغيير لباسٍ، أو ترك لبس معتاد ، فهُم عصاةٌ بذلكَ، لحرمة هذه الأشياء. بل بعضُها من الكبائر، وفاعلها فاسق. وورد: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله»، وأنه يتأذى من ذلك. فانظر لهؤلاء الجهال الحمقى، يريدون تعظيم الحسين، سبط رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بما يتأذى به، ويكون خصمهم به عند الله تعالى. بل الذي ينبغي لمن ذكر مصابَ الحسين، رضي الله عنه، ذلك اليوم، أن يشتغل بالاسترجاع، امتثالاً للأمر، وإحرازاً للأجر، وما أصيب به السبطُ يوم عاشوراءَ إنما هو الشهادةُ، الدالة على مزيد حظوته ورفعة درجته عند ربه.
[2] وقسمٌ يلعبون ويفرحونَ، ويتخذونه عيداً، وقصدُهم إظهار الفرح والسرور بمقتلِ الحسين، فهم بذلك أشدّ عصياناً وإثماً. بل فعلهم هذا من أكبر الكبائر بعدَ الشركِ، إذ قتلُ النفس أكبرُ الكبائر بعد الشرك، فكيف بقتل سيد المؤمنين ريحانة سيد الكونين! والفرحُ بالمعصية وإظهار السرور بها شديدُ التحريم، ومرتبته كالمعصية في الإثم. بل جاء عن الإمام أحمد أنه كفر. وقد اتفق أهلُ السنة: أن بُغضَ الحسين، والفرحَ بمصابه كبيرةٌ، يخشى منها سوءُ الخاتمة. ولأن الفرحَ بذلك يؤذي جدّه عليه الصلاة والسلام وعلياً والحسنين والزهراء رضوان الله عليهم ، وقد قال تعالى : }إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله{ الآية». إلى أن قال: «.. فعُلمَ: أن إنفاقَ المالِ على العاملينَ لهذه المخازي شديدُ التحريمِ، وأخذَه: من أكلِ أموال الناسِ بالباطل»(38).
موقفهم من أتباع المذهب الزيدي في الاعتقاد
تقدم نقل فتوى للإمام الحداد في جواب سؤال رفعه إليه أحد الزيدية، في الكلام عمن قاتلهم الخليفة الراشد سيدنا علي رضي الله عنه. وأيضاً، فللإمام الحداد جهد في دفع بعض العقائد التي يقول بها الزيدية، موافقين فيها للمعتزلة، كالقول بخلق الأفعال، وهي مسألة شهيرة(39).
كما أنه رحمه الله لما جمع «راتبه الشهير» الذي يقرأ بين العشاءين في كثير من المساجد بحضرموت، جعل من جملة أذكاره عبارة: «بسم الله والحمدلله، والخير والشر بمشيئة الله». قال حفيده العلامة السيد علوي بن أحمد الحداد (ت 1232هـ) في «شرح الراتب»: «وذكر سيدنا أن الخير والشر بمشيئة الله، لأن المبتدعة، وكافة الزيدية، يقولون بقول القدرية. ولما خرجوا، قال سيدنا، لما سأله أحمد بن محمد الغشم الزيدي، عما حاصله، فأجاب رضي الله عنه، ونفع به الإسلام والمسلمين: اعلم وفقك الله تعالى، أن مذهبنا والذي نعتقده وندين الله به، أن لا يكون كائن من خير وشر، ونفع وضر، إلا بقضاء الله تعالى وبقدره، وإرادته ومشيئته»، الى أن قال: «فمذهبنا برزخ بين مذهبين: أحدهما مذهب الجبرية، القائلين بأن العباد مجبورون على ما يأتون ويذرون. .... والثاني: مذهب المعتزلة، القائلين بأن أفعال العباد الاختيارية خلقت لهم، وأنهم إن شاءوا فعلوا، وإن شاءوا تركوا»(40).
ومن جملة الردود على الزيدية، ما ورد في «مجموع الأعمال الكاملة لمؤلفات العلامة السيد عبدالرحمن بن عبدالله بلفقيه باعلوي» (ت 1163هـ)، من جواب مطولٍ على سؤال قدمه له عالم يدعى عبدالحق الزيدي، مؤرخ في 5 جمادى الأولى سنة 1136هـ، والعالم الزيدي المشار إليه، ذكره في خاتمة جواب آخر له، على السؤال رفع إليه عن المهدي المنتظر، وكان رد بلفقيه عليه نظماً في أرجوزة سماها: «كشف الغطا عن اعتقاد آل بيت المصطفى».
ومن شعر العلامة بلفقيه في جوابه المسدّد، قوله(41):
علومُ الدّينِ فينا واضِحاتٌ ** وأعلامُ الهدى فينَا مقيمَـــةْ
وما نخشَى ضلالاً بعد نُورٍ ** تغشّــانا وآيَـاتٍ عظيمَــــةْ
فمن يشْهدْ فإنّ الحقَّ أجلَى ** ومن يجحَد فذو عَينٍ سقيمَةْ
* يتبع
* للإطلاع الى الجزء الثالث : اضغــــــط هنـــــا