مع الأسف لا يزال فينا من يتوهم إمكانية إعادة بناء دولة حضرموت المستقلة بناء على معطيات تاريخية لا تسمن ولا تغني من جوع . فشكلوا لذلك المجالس , ونشروا الصحف والمواقع وراحوا يدعون لمشروعهم هذا في كل مكان . ونسي هؤلاء بأن حضرموت عبارة عن بوتقة بشرية وثقافية أفرزت عبر تاريخها الطويل هذه الهوية التي نفتخر ويفتخر كل إنسان ربطته صلة بها من قريب أو بعيد .
فإلى أتباع وهم الإستقلال نوجه هذه الأسئلة :
كيف ستتعاملون مع الحضارم المقيمين والمستوطنين في عدن وأبين ولحج وجميع المحافظات الست الأخرى فاستوطنوا هناك كعمال وتجار ورجال علم منذ سنوات بل وقرون طويلة ؟ وهل لهم الحق في تقرير مصير حضرموت التي ينتمون إليها ؟ وكيف ستحافظون على مصالحهم وتجارتهم وأملاكهم في تلك البقاع ؟ وهل تتوقعونهم سيرضون باستقلال حضرموت ؟
كيف ستتعاملون مع أزواجكم وزوجاتكم وأصهاركم وأخوالكم وأعمامكم وكل أقاربكم هناك ؟ وهل سيرضيهم الإستقلال ؟
وماذا عن المستوطنين في حضرموت ومنذ قرون طويلة من المحافظات الأخرى , وقد قدم بعضهم من الخدمات لهذا البلد أكثر بكثير مما قدمتم لها أنتم دعاة الإستقلال !
هل ستهجَرون اليافعي و الكسادي و العولقي وغيرهم الكثير إذا لم يرضيهم الإنفصال عن أوطانهم الأصلية ؟
ودعونا نفترض هذا المستحيل فهل ستطردون الوافدين على حضرموت من غير هؤلاء ؟ ومن الذي سيطرد هؤلاء غير وافد آخر مثلهم كالشنفري وبني ضنة ونهد والسادة وغيرهم الكثير الكثير من الوافدين أصلاً على هذا البلد ؟
أتركونا من هؤلاء وهؤلاء , وأجيبوني كيف ستتعاملون مع الحضارم في المهجر إذا كان عددهم في جنوب شرق آسيا وحدها نحو الـ 13 مليون حضرمي , وهذا غير الحضارم بالخليج وشرق أفريقيا وغيرها .
هل يحق لهم المطالبة بحقهم التاريخي العودة إلى وطنهم الأصلي تماما مثلما لكم الحق في المطالبة بإرثكم التاريخي ؟
إخوتي الكرام !
حضرموت دولة تاريخية من دون شك , ولكن التاريخ يتغير , وصار للحضارم ارتباطاتهم ومصالحهم وانتماءاتهم في كل مكان .
ولا ننسى أن الفترة الممتدة بين العامين 67-1990م هي من التاريخ أيضا , ويجب وضعها في الصدارة لأنها تعنينا نحن الأحياء ولا تعني بحال من الأحوال حضارم التاريخ .
إخوتي الكرام !
لا جدال في تاريخية حضرموت ولا في تميزها الديني والثقافي والعمراني ... الخ .
لا جدال في تميز أهلها واشتهارهم بالأمانة والأمن والمسالمة وقدراتهم التجارية و.... الخ .
من ذا سيجادلنا في ذلك ؟ ولكن وإن تميزت في كل ما ذكرت فحضرموت ليست وحدها التاريخية .
بل كل العالم تاريخي , وفيه دول اختفت وأخرى تقسمت وغيرها استحدثت ودول اندمجت , وأبسط مثال على هذه التغيرات سنجده في دول الخليج فهذه حركة الشعوب وحركة التاريخ التي لا يستطيع أحد الوقوف بوجهها .
أخي الكريم , إن المطالبة باستعادة دولة حضرموت على أساس الحق التاريخي ليست بذات معنى ولا ترتبط بالواقع , نعم جدي وجدك عاش في حضرموت التاريخية المستقلة , ولكني أنا وأنت لم نفعل ولم نعرف غير الجنوب , وأنا وأنت من يقرر مصير بلدنا .فاستقلالها أو بقائها مع الجنوب يعنيني أنا وأنت ولا يعني أصحاب القبور من آبائنا وأجدادنا أصحاب الدولة التاريخية المستقلة .
لماذا لا نترك نحن الأحياء على هذه الأرض عواطفنا وتاريخنا جانبا ونسأل أنفسنا بعقلانية :
هل من مصلحتنا استقلال حضرموت ؟ ولو فعلنا هل نأمن بأن لا تبتلعنا دولة أخرى تتربص بنا منذ زمن بعيد وهي أسوأ بكثير من هذه الدولة اليمنية لولا فارق المال فقط ؟
والأهم هل سيتقبل الحضارم فكرة الإستقلال هذه أم سيرفضونها ولن نحصل منها سوى على ندبة في وجه تاريخنا ومدخل ينفذ من خلاله عدونا ؟
إخوتي الكرام , إن حل الفيدرالية بين المحافظات هو الحل الأنسب لنا ولجميع من ارتبط بهذه الأرض بنسب أو بثقافته أو بمصلحة .
فلا تشتتوا جهودنا ولا تفرقونا واجعلوا مطلبنا واحد وهدفنا واحد قبل أن نبتلع جميعاً .
* بقلم : رياض عباس الحامد