في مقالات كثيرة تناولنا الشق السياسي للقضية الجنوبية ونسينا أهم جانب فيها وهو الجانب الانساني .. وخاصة في مدينة عدن الباسلة التي سقط فيها مئات الشهداء من الشباب وهم في عمر الزهور .. وقد ضحوا بأرواحهم من أجل الكرامة والحرية ..!ومنهم من توسد الثرى في ليلة مظلمة لم يحضر فيها أهله واحبابه لوداعه!!
ومنهم من بقي ليالي وأياماً في العراء لم يدفن الا بعد أيام !!
وآلاف الجرحى الذين اصيبوا في المعارك في أطرافهم واجسادهم .. ولم يحصلوا حتى على ضماد لجراحاتهم ونزفوا حتى ماتوا بعذاباتهم بعد أن ذاقوا مرارة الآلام دون اسعاف او دواء ..
ومنهم من لايزال ينازع الروح بين الحياة والموت .. دون عناية أو رعاية طبية ..
وتشتت أسر الشهداء والجرحى ونزحت خارج بيوتها في عدن .. الى جيبوتي والى الأرياف بعد أن دمر الغزاة مساكنهم .. فمنهم من كتبت له النجاة ومنهم من مات تحت القصف .. ذاقوا مرارة الألم والحرمان .. وتقطعت بهم السبل في خيمة منصوبة وسط الصحراء أو ظل حائط في مكان مجهول .. حيث لا ماء ولا غذاء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء .. وقد تجمدت محاجر النساء من البكاء وتقرحت عيون الأطفال من مشاهد الخراب والدماء ..!
فارقوا حاراتهم التي كانت تتضوع برائحة الفل والكادي التي يحملها النسيم عند الغروب .. وتعبق أمسياتها بالفرح والوجبات العدنية الشهية .. وأصبحوا بين ليلة وضحاها لا يجدون الطعام في ظل حملة عسكرية حوثية غاشمة لا ترحم .. وقد فقدوا النور .. والماء .. والطعام .. وسط حرارة الجو الخانقة والرطوبة العالية .. وأصبحوا مشردين يتوارون خلف جدار يسترهم او ظل شجرة يطبخون تحتها وجبتهم الوحيدة في اليوم على عيدان الحطب ..!
وينام من بقي منهم على قيد الحياة على الطوى .. لايجد الماء حتى ليغسل وجهه أو يروي عطشه !!
ينامون مع أحزانهم .. ويستيقظون على تدفق دموعهم ..!
وأصبح الطفل العدني شريداُ في وطنه .. صبر حتى مل منه الصبر .. بكى حتى استعصى عليه الدمع .. اصبح غريباً في وطنه .. ترصده العيون .. ويلاحقه القناصة .. اذا بقي في بيته دمر فوق رأسه .. واذا خرج كان الموت في انتظاره ..!
تفشت فيهم الأمراض والأوبئة من حمى الضنك والتيفوئيد .. وضربات الشمس وغيرها .. وبقي الآلاف من أبناء عدن صامدون في منازلهم لا يفارقونها رغم أعمال القصف الاجرامية التي يشنها الغزاة عليهم ليلاً نهاراً ..
وقد ضربت لنا عدن بشبابها ونسائها وأطفالها أروع الأمثلة في التضحية والفداء في مواجهة الاحتلال الحوثي الهمجي !!
وفي الخارج تولى قضية الجنوب ساسة محترفون وعجزة طاعنون في السن قد ملت منهم الحياة وتغضنت ملامحهم من الكذب والخداع , كالحة وجوههم مكشرة أنيابهم .. يبحثون عن مصالحهم ويعقدون الصفقات باسم عدن الباسلة والجنوب العربي الصامد في كل محافظاته يقارع ويقاوم الغزاة ..
واولئك النفر يقيمون في الفنادق الفاخرة ذات الخمس نجوم .. لا يرف لهم جفن ولا يتحرك فيهم ساكن وهم يشاهدون ابناء وبنات عدن والجنوب يبحثون عن لقمة العيش فلا يجدونها وعن الدواء والماء والنور .. تلهب حرارة الشمس ظهورهم وتلفح وجوههم ..
بينما اولئك الساسة يستلقون تحت المكيفات الباردة وتقدم لهم الوجبات الفاخرة والمياه والمشروبات المثلجة وقد تحجرت ضمائرهم .. وارتضوا لأنفسهم الذل والهوان .. ولا زالوا يفاوضون وينتقلون من عاصمة الى أخرى ويقدمون أنفسهم على أنهم يمثلون شعب الجنوب .. وحساباتهم خاسرة لا تتطابق مع قضية شعبنا وقد ارتهنوا للداخل والخارج وهم لا يملكون من أمرهم شيئاً !! ومستعدون للبيع والتنازل عن قضية شعب الجنوب دون الرجوع اليه !!
ان المملكة العربية السعودية مشكورة قدمت منحاً اغاثية بلغت مليار ريال لشعبنا .. فأين ذهبت تلك الأموال التي دفعتها المملكة للأمم المتحدة ..؟؟ والتي قيل انها بيعت في السوق السوداء في جيبوتي لدول أفريقية !!! أما ما قيل انه نقل الى ميناء عدن أو عن طريق تعز فلم يصل منه شيئاً الى عدن والضالع ومحافظات الجنوب الاخرى بعد أن منع الحوثيون تلك القوافل الاغاثية من الوصول اليها !!
وبقي الوطن ينادي ابنائه أن هلموا إلي للدفاع عن أرضكم وكرامتكم ..!!
فمن سيلبي النداء ؟؟؟
لقد بحثت عنك يا وطني فوجدت عزتك في سواعد رجال المقاومة الشعبية وفي فوهات البنادق ..وليس في ردهات الفنادق !!!
وجدتك في مواكب الشهداء الذين احبوك وماتوا فداء من أجلك .
وجدتك في جراحات الأبطال الدامية من ابنائك وعظامهم المطحونة وهم يتسابقون في ساحات القتال ويتساقطون الواحد تلو الآخر ولا يهابون الموت!!
رأيت عزتك في شاب يستند على عكاز وقد فقد رجله ..ويحمل بندقيته ويقاتل من أجلك وقد هانت عليه نفسه وهو يعرف أنه لن يهرب اذا حوصر في القتال اوحمي وطيس المعركة فقد جاء من أجل الشهادة في سبيلك!!
انها ليست بكائية لوطن يكاد ينتزع من بين أيدينا نحن الذين نحبه .. وندرك قيمته ولكنها صرخة مدوية من أجل إنقاذه !!
وطن يستحق أن نموت من أجله ..وطن عزيز بترابه وجباله ورماله التي ترقد على بحار من النفط والغاز والمعادن .. ويتصارع الكبار عليه وعلى ثرواته التي ستكفي العالم لخمسين عاماً قادمة!!!
وطن نراه يتبدد أمامنا .. افلا نتحرك ونقاتل من أجله ونموت دفاعاً عنه ؟
وطن فيه عزنا وكرامتنا ومستقبل أجيالنا وهو أمانة في أعناقنا !!
انه الدفاع عن جرح غائر لا يندمل الا بتضحياتنا اسمه الجنوب العربي .. لن نقبل أن يكون جائزة ترضية للسماسرة وتجار الحروب .. وهو أمانة في أعناقنا !!
وطن عزيز شامخ لا ينكسر ..درته وعروسه عدن ..وشموخه ورمانة ميزانه شبوه واكليله الضالع ..وردفان ولحج ..وتاجه يافع وأبين ..ورسوخه وصموده حضرموت والمهرة وسقطرة ..
افلا يستحق وطن كهذا أن نموت من أجله؟؟؟؟