قراءة متأنية في سقوط مدينة عتق

2015-05-12 05:53

 

شبوة التاريخ والأصالة .. شبوة الرقم الصعب .. والقبائل الـعصية المشهورة عبر التاريخ .. شبوة الغنية برجالها الشجعان .. وفرسانها الأشاوس .. ما الذي جرى؟ولماذا سقطت ؟ وكيف؟

لماذا بقي لنا من ذلك كله؟ هل كتب علينا أن نستجر أمجادنا التاريخية ونلوكها ثم نبتلعها من جديد؟

 

إن تاريخنا القبلي القديم يزخر بشواهد ومواقف تاريخية ممثلة في أحلاف قبلية كانت تتظافر فيما بينها وقت الأزمات والشدائد, وكانت القبائل  تدين بالولاء لمجد القبيلة أولاً وآخراً؛ وكان ذلك هو سر قوتها!!

 

وفي الوقت نفسه لا تخرج عن الإطار العام الذي تحدده القيادات القبلية التي لا تقطع أمراً إلا بالشورى والتوافق والتراضي مع مكونات القبيلة, فما الذي جرى اليوم؟ وما الذي تبدل؟ وفيما يلي سألقي الضوء على مكامن الضعف في المكونات القبلية وما صاحب ذلك من سقوط مدو لشبوة وهي كما يلي:

 

1- ظهور الأحزاب السياسية وطغيان النفوذ الحزبي والزعامات الحزبية وتراجع دور القيادات التاريخية في الحفاظ على كيانات قبائلها وتعدد الولاءات وتشرذم أفراد القبيلة وأصبحت جماعات وأفراداً تبحث عن مصالحها الشخصية البحتة, وأدى ذلك كله إلى ضعف القبيلة في زمن تباع وتشترى فيه الذمم دون معايير إنسانية أو أعراف قبلية.

 

2- خيانة بعض أفراد القبائل وهم قلة قليلة لحسن الحظ حيث وصل بهم الأمر أن باعوا ضمائرهم قبل منازلهم لميلشيات الحوثي لاتخاذها منصات للقناصة ضد رجال القبائل. بل أن أولئك الخونة قد شكلوا طابورآ خامسآ  للحوثي وخلايا تجسس زرعت الشرائح في سيارات المقاتلين ليسهل قصفهم من قبل قوات صالح والحوثي.

 

3- الدور المتواطئ والمتخاذل من قيادة معسكر عتق مما أدى إلى سقوط المحافظة بشكل مريع ومؤسف في أيدي قوات صالح وحلفائه من الميلشيات الحوثية .. ومع الأسف الشديد أن تلك القيادة على رأسها واحد من ابناء  شبوة!! علماَ بأن  القيادات القبلية  قد حاولت نصح تلك القيادة العسكرية بالتخلي عن دورها المتواطئ دون جدوى!!

 

4- محافظة شبوة في معظمها منطقة صحراوية مكشوفة وهذا ما سهل اختراقها  خاصة من قبل ألوية عسكرية مدربة داخل وخارج المحافظة سلاحها الدبابات والمدرعات والمدفعية الثقيلة فيما رجال القبائل لا يملكون إلا أسلحة متوسطة وخفيفة لا تتحمل قوة النيران الكثيفة من قبل العدو الذي دخل من عدة محاور من بيحان ومن مرخة ويتفرع منها عدة طرق مما شتت قوات القبائل.

 

5- من نقاط الضعف الرئيسية أن قبائل شبوة لم تكن لها قيادة مركزية موحدة لقيادة المقاتلين وتوزيع المهام القتالية .. بل بقيت كل قبيلة تقاتل منفردة دون تنسيق مع القبائل الأخرى ليس هذا فحسب بل إن داخل القبيلة الواحدة عدة قيادات غير متجانسة ولا مترابطة مع بعضها البعض وهذا سر ضعفهم وقوة عدوهم.

 

6- التنافس بين قبائل شبوة بحيث أن كل قبيلة تحاول أن تنسب لنفسها أي انتصار دون القبائل الأخرى .. وأصبح التنازع وحب الظهور من سمات الموقف في وقت كنا بحاجة فيه إلى إنكار الذات والتوحد في سبيل كرامة شبوة وظهر ذلك في استحواذ بعض القبائل على السلاح الذي ألقته طائرات التحالف للمقاتلين واحتكرته لنفسها وخبأته أو باعته وحرمت المقاتلين من الاستفادة منه!!

 

7- ضعف الاستخبارات لدى القبائل مما حرمها من اكتشاف تحركات العدو والتصدي له في الوقت المناسب وهذا أفقدها زمام المبادرة.

 

8- قيام بعض أبناء القبائل في شبوة من الجيل الجديد والذين لا يملكون خلفية تاريخية باستدعاء معارك القبيلة في مراحل تاريخية سابقة مشوشة ومغلوطة مما ولد احتقانات و إرهاصات لدى صغار السن الأمر الذي جعلهم لا يثقون في أحد وينظرون لأبناء قبيلتهم الآخرين بعين الشك والريبة وتلاحقهم أساطيرالخذلان والتوجس مما ولد في نفوسهم حالة من عدم الثقة والمرارة والخذلان و الانهزامية المبكرة و الإنكفاء على أنفسهم والعزلة التامة وعدم التنسيق مع الآخرين.

 

9- إن ما حدث من سقوط لمدينة عتق عاصمة شبوة وما جرى قبل ذلك في معارك بيحان ومرخه وعسيلان و السليم ومره قد شكل عبئاً وظلماً تاريخياً على قبائل شبوة المعروفة بشجاعتها وسقوط عشرات الشهداء من ابنائها في تلك المعارك ورغم تلك التضحيات .. فسر الشامتون ما جرى أنه تراجع واضح في قتالها والحقيقة عكس ذلك كله حيث أن الطعنات قد جاءت في ظهر القبيلة من بعض أبنائها.

 

10- لا يوجد دعم لوجستي من قبل قيادات القبيلة للمقاتلين حيث تقاتل كل مجموعة  منفصلة عن الأخرى في ظل انقطاع الذخيرة ونقص التسليح و الطعام مما سرع في انسحاب بعض القبائل وترك مواقعها ليس هذا فحسب بل والامتناع لاحقاً عن المشاركة في المعارك بسبب تلك الإرباكات التي تعرضوا لها الأمر الذي جعلهم يقررون البقاء في بيوتهم مما أدى إلى ارباك المشهد برمته وإطلاق الاتهامات ضد بعضهم البعض في تلك الأوقات العصيبة.

 

* - إن ما سبق ذكره لا يعني أن قبائل شبوة لم تقاتل الحوثي وقوات صالح بل أننا نؤكد أن رجال القبائل قد قاتلوا ببسالة في أماكن صحراوية مكشوفة واستشهد منهم في المعارك الأولى أكثر من خمسين شهيدآ  بنيران الحوثي .

 

- كما لا يفوتنا أن نشيد بدور القبائل في منطقة الواحدي في مدينة عزان  الذين تمكنوا من السيطرة الكاملة على اللواء الثاني مشاة جبلي في شبوة وقتل قائده ورئيس عملياته مع مجموعة من مرافقيه.

 

- كما أن معركة المصينعة التي قادها الشجعان من رجال العوالق يوم أمس تبشر بتحول سير المعارك رغم الفارق في القوة لدى قوات صالح ومليشيات الحوثي لأن  رجال المقاومة في شبوة يملكون الإرادة القوية وعدالة القضية بينما لا يملك عدوهم الا الحقد والانتقام الذي سرعان ماتخمد نيرانه

 

وأخيراً أقول إن ما يجري اليوم من حروب عبثية غير متكافئة في الجنوب خاصة والمناطق الشافعية عامة مثل :تعز واب ومأرب والبيضاء , إنما يندرج ضمن محاولة إخضاع وإذلال أبناء تلك المناطق بقوة السلاح وتكريس المظالم التاريخية بحقها من جديد وأن الحوثي وحلفائه نسي أنه قد أشعل نار المقاومة و الكفاح في صدور أبنائها ولن نسمح له باختطاف الوطن وارتهانه لملالي قم لتحقيق  أحلامه  المريضة وخيالاته السلالية  البغيضة في حكم وطن   لا يستحق العيش فيه!!وستعود فئران مران الى جحورها .

 

لقد نسي  هؤلاء الظلاميون الذين خرجوا علينا من كهوف التاريخ الحجرية حاملين الحقد والكراهية والاستعلاء والازدراء لمكونات المجتمع اليمني .. أننا نعيش اليوم في عصر النور والحرية وأن الله غالب على أمرة وناصر كل مظلوم.