في السادس والعشرين من مارس لهذا العام, انطلقت عاصفة الحزم, بأمر ملكي من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز, معلنة بذلك مرحلة جديدة من الدور السياسي الذي تضطلع به قيادة المملكة العربية السعودية, للتعاطي مع تداعيات الملف اليمني المقلق.
فالقلق على مستقبل اليمن وأمنه واستقراره, قد تجاوزه في مخاطره قلوب المواطنين اليمنيين. وأصبح الشاغل لتفكير مواطني شبه الجزيرة العربية, الحاضر بظلاله في تفاصيل حياتهم.
ولاشك انه من الحكمة أحيانا ان يكون للحزم جولة.. لتقويم أخطاء التاريخية مزمنة.. طالما ألقت بظلالها على الوضع المعيشي والتنموي لشعوب الدول النامية..
بين هذه وتلك تأتي القصص الإنسانية والبطولات الاجتماعية لتسجل حضورها, من خلال أفراد أدو ادوار لم ترها العدسة, ولم تكتب عنها الأقلام, ومن تلك القصص المليئة بالإثارة قصة لبطلين من حضرموت, هما معاذ العطاس رئيس طلاب اتحاد حضرموت في صنعاء, والدكتور عمر باراسين رئيس اتحاد طلاب حضرموت في عدن.
معاذ العطاس .. و د. عمر السومحي ..
معاذ شاب في مقبل العمر يتلقى تعليمة الجامعي في صنعاء, رأى زملائه في شخصيته قيادة ومسئولية, وشخصية كانت الأبرز بين أقرانه, والأكثر قرباً من الجميع, فرشحوه في انتخابات اتحاد طلاب حضرموت في صنعاء ليكون رئيسا للاتحاد, وكأنما القدر شاء له ان يكون في محل مسئولية, يخبأها له فجر السادس من ابريل, عندما بدأت طائرات عاصفة الحزم تعصف بقوى الضلال والفساد التي تجثم على صدر صنعاء..
كان السكن التابع لطلاب حضرموت يقع بالقرب مقر الفرقة الأولى مدرع, سابقاً, الذي كان من أوائل المواقع التي نالها نصيب وافر من القصف كونه معقل من معاقل الميلشيات الانقلابية الحوثية, وقد دب الذعر بين الطلاب لشدة القصف الجوي, وأمام مسئولياته باشر معاذ العطاس دوره القيادي, كرئيس لأحدى منظمات المجتمع المدني فوراً بعقد اجتماع طارئ لاتحاد الطلاب, وتم اتخاذ القرار بالإجماع لمغادرة صنعاء بشكل سريع وفوري, فتعاضدت الجهود لحصر كشوفات أسماء الطلاب, البالغ عددهم أكثر من 700 طالب في وقت قياسي, كانت الساعة الثالثة فجراً, وكانت تواجه فريق الاتحاد مشكلة حيث أن جزء من الطلاب كان موجود في السكن ومنهم من كان خارجه, ولمباشرة العمل وعدم الانتظار في ظرف لا يسمح بالكثير من الوقت, وزع فريق الاتحاد طاقاته على فريقين, احدهم للاتصال بالطلبة الخارجين عن نطاق السكن وتحضيرهم, وفريق آخر تواصل بشكل سريع مع شركات النقل لتوفير حافلات النقل, لتنقل من كانوا موجودين في السكن صوب ذويهم في محافظة حضرموت, ومن الجدير هنا الإشارة لخط الاتصال المفتوح منذ الساعة الأولى وحتى المغادرة بين اتحاد الطلاب من جهة وأحد رجال الأعمال الحضارم المحسنين, الذي أشرف على تفاصيل خطة مغادرة الطلاب بكل تفاصيلها, وسخر إمكانياته المادية وغير المادية لأجل إنجاحها, وعند الثامنة صباحا بدأت عملية التفويج, وفي زمن قياسي غادر آخر باص من الباصات التي حملت طلاب حضرموت في صنعاء, إلى حضرموت بعد ان تم التحقق من سلامة الطريق وأمنها.
لم ينته الأمر عند هذا, فرئيس الاتحاد معاذ العطاس, وضعته الظروف على المحك فور وصوله والطلاب إلى مأمنهم في حضرموت, حيث تلقى اتصالاً من خمسة طالبات حضرميات, وطالبتين سعوديتين, يدرسن سوياً في "جامعة العلوم" لا زلن تحت القصف في صنعاء ويستفسرن عن طريقة المغادرة, والتزاماً بمسئوليته عاد العطاس في اليوم التالي إلى صنعاء تحت القصف, وتمكن من إخلاء الطالبات, وإيصالهن إلى ذويهن في حضرموت, أما السعوديتين, فقد تم إيصالهن تحت إشراف اتحاد طلاب حضرموت, إلى منفذ الوديعة حيث كان ذويهن هناك بالانتظار!
والفضل يعود لله, ثم لهؤلاء الشباب الغيورين, ومن خلفهم الشيخ عبدالله بن أحمد بقشان, الذي كان يلعب ذات الدور أيضاً على الجانب الأخر في عدن .. حيث كان الدكتور عمر باراسين السومحي, رئيس اتحاد الطلاب الحضارم في عدن, في ذات موقع المسئولية, وعلى اتصال مباشر مع بقشان, يواجه نفس الامتحان ويؤدي نفس الدور التنظيمي لتأمين سلامة الطلاب, ولكن أعداد الطلاب الحضارم في عدن, كانت أكبر بكثير من صنعاء, فقد بلغ عدد الطلاب الحضارم في عدن, أكثر من 1800 طالب وطالبة, استلزم نقلهم إلى حضرموت خطة تنظيمية محكمة بالإضافة لمعلومات لخطة أمنية دقيقة, حيث أن الوضع الأمني على الخط الساحلي الرابط عدن بحضرموت كان أكثر تعقيداً.. وقد تطلب تفويج هذا العدد وقت أطول, وتضحية كبيرة من فريق اتحاد طلاب حضرموت, ورئيسهم د. عمر السومحي, وخلف كل هؤلاء يأتي مهندس النهضة العلمية الحضرمية أبو فيصل البقشان, بكامل طاقاته وإمكانياته في خدمة رجال مستقبل حضرموت, سواء بالرأي والتوجيه أو بالمال, الذي لم يبخل به لأجل هذه الغاية السامية ..
ومن منطلق العرفان.. يبدو الإعجاب بهؤلاء الشباب الرائعين قليل.. نظراً لعملية التنظيم الدقيقة, التي سمحت بتفويج هذا العدد الضخم من فلذات أكبادنا في زمن قياسي, والمخاطرة بالعودة الثانية لصنعاء من أجل إخلاء الطالبات, يتوجه الكثيرين ممن سمعوا هذه القصة بجزيل الشكر والتقدير لـ معاذ العطاس ورفاقه الابطال, والدكتور عمر باراسين السومحي ورفاقه الأبطال, والمهندس عبدالله أحمد بقشان, الذي وقف خلف هذا العمل الضخم, حيث كان على تواصل مستمر مع اتحاد الطلاب في صنعاء وعدن منذ اللحظات الأولى, وسخر الإمكانيات الكبيرة لهذا العمل الكبير والمنظم..
في الحقيقة .. لقد تناولت وسائل الإعلام, المرئية منها والمقروءة, الكثير من الأخبار عن ما يدور في خضم هذه المعارك, من أعمال عسكرية وسياسية, إلا إن هذه المحنة, حتماً ستنقضي وستبقى في صفحات التاريخ, أما ما يحدث تحت غبار هذه المعارك من ادوار إنسانية عظيمة, فسيبقى محفور في ضمائر الشهود, ينقلون القصص للأجيال, ويباهون بهذه النماذج من القادة, للاقتداء بهم عند الشدائد والمحن .. ولا نشك ان ضمير الأمة حتماً سيخلد كل ذو دور إنساني رائد, وكم نحن بحاجة لشيء من اهتمام أساتذتنا الإعلاميين, الملقى على عاتقهم تجسيد امتنان المجتمع لهذه الجهود, والعرفان بالجميل لأمثال هؤلاء الرجال ..