ذبح المصريين في ليبيا: هل أصبح المجتمع العربي مريضاً؟

2015-02-18 23:02
ذبح المصريين في ليبيا: هل أصبح المجتمع العربي مريضاً؟
شبوة برس- خاص - عدن

 

لم أتمكن من اكمال مشاهدة مقطع الفيديو الذي بثته داعش ليبيا لعملية ذبح 21 عاملاً مصرياً من المنتمين للكنيسة القبطية، ذلك المقطع يمثل قمة التوحش الإنساني، بل قمة التوحش على الإطلاق، فحتى الحيوانات المتوحشة تقتل لهدف غرائزي وهو اشباع جوعها، لكن ما تقوم به داعش قتل من أجل القتل فقط، وضحيته عمال مصريين وليسوا جنود في جيش معادي أو جواسيس لدولة أجنبية، فقراء ذهبوا للبحث عن ارزاقهم كعتالين وعمال غالباً.

 

أتخيل بعد أن حزوا رؤوس العاملين المصريين تنادى الفاعلون الى الصلاة وشمروا عن سواعدهم وتوضؤا، وقالوا الله أكبر ولله الحمد، لا أدري من هو الالاه الذي يعبدون؟ ولا الدين الذي به يؤمنون؟ ولا النبي الذي به يقتدون؟، تعجز الأحرف والكلمات عن وصف هكذا دين يذبح البشر كالخراف، بل وجعلهم في مرتبة اقل من الخراف لأنه لا يذبح بهدف الاستفادة من اللحم بل للاستفادة من الرعب الذي يُقذف في قلوب الآخرين.

 

المحزن أكثر من تلك المشاهد هو عندما تتابع مختلف وسائل الاعلام وترى بعض المسوخ الإنسانية التي تستثمر ذلك الحدث وتجيره لمصلحة تيار أو جهة ما، وتسعى لتبرئة داعش أو في الحد الأدنى إيجاد مبررات لها وتحميل النظام المصري المسؤولية بهدف الإيقاع بينه وبين جزء من الشعب المصري العزيز، وأقصد بهم أقباط مصر، بهدف عمل فتنة داخل مصر لكي يتم نقل داعش الى القاهرة، وكأن هؤلاء المحرضين على النظام المصري يقولون لا داعي لذبح المصرين في الخارج يمكن أن ننقل الفتنة هنا ونستغل اليد المصرية في ذلك الاستثمار.

 

كذلك استحضرت جريمة حرق الطيار الأردني "الكساسنة" وكيف سعى الكثير الى تبرير ذلك على اعتباره جزاء من جنس عمل الطيار، ولا يعرف هؤلاء المرضى أن دائرة الإرهاب اذا عمت ستطالهم، وأن من يبررون لهم ما هم الا ذئاب بشرية استرخصت الأرواح ولن تميز بين مسلم ومسيحي ولن تعدم الذريعة لذبح أياً كان، وقد ذبحت تلك المجموعات بعضها البعض في سوريا وهم من نفس الدين والمذهب بل ومن نفس التيار الذي داخل نفس المذهب.

 

نختلف أو نتفق مع النظام المصري، لكن من تم ذبحهم لم يشاركوا حتى في معارك، ولم يفعلوا بداعش أي شيء، ولو تم استئجارهم لبناء متارس لداعش في ليبيا ما ترددوا مقابل بعض الدولارات كأجرة عملهم اليدوي، اذاً نحن أمام طرف لا يتحلى بأي أخلاق، حتى الحروب لها قوانين واعراف، ويتم التعامل مع الاسرى باحترام فكيف بالمدنيين الأبرياء.

 

انتشار تلك المقاطع وتداولها يعد خطراً على المجتمع، وبالأخص على صغار السن واليافعين، لأنه يعودهم على تلك المناظر ويجعلها عادية مثلها مثل ذبح الدجاج أو الخراف في المسالخ، وقد بدأ تأثير ذلك في الظهور، ويمكن ملاحظته من تعليقات الكثير من الشباب على تلك المقاطع، حيث أن الكثيرين يبررون ويتعاطفون مع داعش في حربها سواء في سوريا أو في العراق أو في الجريمة التي ارتكبت بحق المصريين عبر تحميل السيسي المسؤولية، وذلك التعاطف نابع من خلافهم وعدائهم لتلك الأنظمة.

 

لا أدري هل هناك دراسة لمثل تلك الحالات المرضية؟، التي تصل بالصراع السياسي الى درجة تبرير مثل تلك الجرائم، وهل هناك من باحثين درسوا هكذا ظواهر أصبحت واضحة في الاعلام العربي ومواقع التواصل الاجتماعي؟، حيث لم يعد عدد المرضى بالعشرات بل بآلاف ان لم يكن بالملايين، فمن يؤيدون داعش في حربها في سوريا والعراق لا يمكن انكار أنهم بالملايين في مختلف الأقطار العربية، وبالتالي نحن أمام وباء خطير ينبغي المسارعة الى البحث عن وسائل لعلاجه، ليس على المستوى الأمني، لكن عبر إيجاد منظومة علاج متكاملة تعتمد على البحث العلمي منهجاً لها، تدرس تلك الظواهر وتشخص أسبابها بوضوح وتقترح الحلول، التي ستشمل غالباً جميع المجالات، وأولها العمل على وفاق ومصالحة سياسية بين مختلف التيارات، أو على الأقل الاتفاق على خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، وتحسين الاقتصاد، وتبني مناهج تعليم تُرسخ القيم الإنسانية وتفضح مثل تلك المجموعات والأفكار التي تتبناها.

 

لا يمكن التعامل مع هكذا مشاكل وظواهر من زاوية واحدة، فمعالجتها بحاجة الى مشروع متكامل يتم اعداده بعناية ووفقاً لأحدث الوسائل العلمية، ويجب نقل هذا الملف وهذا المرض المجتمعي الى مختلف المستويات ليتم التحدث عنه والكتابة حوله ومناقشة أسبابه، ليصبح حديث الرأي العام.

 

"نقلاً عن صحيفة الأولى"

 

علي البخيتي

  [email protected]