الجنوبيين يقدسون صنّاع مآسيـــهم - صالح الجبواني
لم أكن أرغب في التعليق على أحوال الحراك الجنوبي أو أخبار أجنحته ومكوناته فكل شيء مكشوف ومعروف، حتى جفت الأقلام ورفعت الصحف من كثر ما تناولته حول هذا الموضوع .
ولظني أن أي أسهام في الجدل الدائر سيحكم علية الكثيرون كتسجيل حضور لا أكثر لأن العقول تغيب في لحظات الاستقطاب واحتدام العواطف، وحياتنا نحن الجنوبيون كلها استقطاب واصطفافات وشحن وأحقاد لأن الأرضية السياسية والثقافية التي نقف عليها منذ أربعة عقود ونيف مسمومة ومزروعة بالأوهام والأكاذيب الكبرى والمآسي القاتلة ولذلك تسممت عقولنا وأبداننا وصدّقنا أكاذيبنا وقدسنا صنّاع مآسينا وحتى اللحظة لم نعتبر من العبر والدروس الجمة التي اكتوينا بها طوال تلك العقود.. في جو كهذا يصير المقام للاصطفاف حسب الملة الجنوبية ــ وما أنا الا من غزية أن غوت غويت وأن ترشد غزية أرشدا ــ وليس للعقل والمنطق والحكمة.
ومع ذلك فسوف أحاول هنا بناء على استفزاز (مصطف) أتصل بي من الداخل ليسألني عن موقفي ومع من سأحمل سيفي وروحي وأسرج خيلي؟!
لست من العاجزين حتى أقول له (ما ليش دخل) ولكني قلت له دعنا نلقي نظرة على ما بين أيدينا حتى نتبين الخيط الأبيض من الأسود ليكون لاصطفافنا قيمة ونزالنا تاريخ وشهادتنا آخره.. تمتم وأقفل الخط في وجهي وكأن أنفاسه اللافحة ستكوي أذني وبيننا آلاف الكيلومترات!
علينا أن نفرق بين القضية الجنوبية والحراك الجنوبي فهما مفهومان مختلفان من حيث أن القضية الجنوبية هي الظلم والقهر والمأساة التي لحقت بالجنوب بعد أن وضعت حرب 1994م أوزارها ووجد الجنوب نفسة محل للانتقام وفريسة لجيوش صنعاء مع أن الجنوب لم يحارب ومن حارب هم الـ (مصطفين) مع الحزب الاشتراكي وهم قله.. عجبا قام (الصالح) بتدمير الجنوب واستنزافه وركل رجالة ونساءه على الأرصفة فيما أحتضن الخصم الذي نازلة في الميدان (الأشتراكي) ليوفر له شرعية ما فعل ولازال يفعل في الجنوب.
هنا ولدت القضية وتبرعمت بالحناجر والقبضات والدماء والدموع، ولم يكن الحراك الجنوبي الذي ولد عفويا من رحم هذا الألم الا التعبير السياسي عن القضية بطرق وأساليب شتى كأتساع الألم الممتد من الوريد إلى الوريد.
العجيب الغريب أن يصر البعض على أن يجعل من الحراك الجنوبي فصيل ضمن فصائل أخرى في الساحة الجنوبية مع أن الحراك الجنوبي هم كل من رفعوا قبضاتهم بوجه الظلم وانخرطوا في الميادين والساحات منذ السابع من يوليو 2007م بكل أنتماءاتهم السياسية والفئوية والمهنية.. فكيف إذن يصير الحراك فصيل؟؟؟ نشطاء الحراك أو قيادات الحراك كما يحبوا أن يسموا أنفسهم رغبوا أو على الأقل البعض منهم بهذا التصنيف لكي يحتكروا الحراك كما احتكرت الجبهة القومية الثورة وركلت البقية خارج الساحة أو كما أحتكر الاشتراكي عقل وشرف وضمير الشعب وسلّمة (قطع غيار) في سوق الملح بدون أدنى ضمانة.
الحراك كتكوينات سياسية الآن ينقسم إلى مجلس الحراك السلمي (بشطرية) ومؤتمر القاهرة (بجناحية) والتحالف الديمقراطي الجنوبي وحزب التجمع الجنوبي تاج والمجلس الوطني الأعلى وحركة 16 فبراير وتجمع أبناء الجنوب في صنعاء وحتى إخواننا الإصلاحيون الذين شاركوا في فعاليات الحراك منذ يوليو 2007م لا يمكن أن نغمطهم حقهم .
وأي طرف من هذه الأطراف لوحده سيدّعي احتكاره للحراك وتمثيلة سيخطئ خطأ قاتلا وسيقود نحو التناحر الجنوبي الداخلي وتلك مسئولية عظمى لا أظن أحد يستطيع أن يتحمل تبعاتها الا إذا كان مجنونا لكنة سيقود نفسة لمصيرها المحتوم . من الحكمة أن يعقد كل تكوين أو جناح من هذه التكوينات والأجنحة مؤتمره حتى تتشكل تنظيمات سياسية واضحة المعالم ببرامج سياسية وهياكل تنظيمية قيادية معروفة وعند الانتهاء من هذه العملية تتشكل لجنة حوار من قيادات هذه التنظيمات ويدخلوا في حوار جدي حتى يتم الاتفاق على رؤية مشتركة وقيادة موحدة تنسيقية في حدها الأدنى تمثل الجنوب لمواجهة الاستحقاقات القادمة .
ذلك هو الطريق السليم , ولا باس أن تبدا هذه المكونات بعقد مؤتمراتها من اللحظة حتى ننتهي من المرحلة الأولى لتبدا المرحلة الثانية وهي مرحلة الحوار . في نهاية المرحلة الثانية سنكون قد خرجنا بالجنوب من هذا التشتت والمزاجية والفوضى ومن المهم أن يشارك في مرحلة الحوار وأقصد الجنوبي ــ الجنوبي طرف يمثل المشايخ والسلاطين والتجار والوجهاء إذا اعتبرنا أن المثقفين والأكاديميين والمراءة سيمثلون ضمن التنظيمات السياسية الجنوبية التي ستدخل الحوار .
بنهاية المرحلة الثانية سنكون أمام استحقاقات المرحلة الثالثة ووجها لوجه مع الطرف الشمالي.
أخوتي الأعزاء لا يمكن للحراك أن يتقدم ونحن (نعصد) بهذه الطريقة المضحكة والمقززة ولذلك أرجو أن يتم نقاش جدي لخارطة الطريق هذه لعلنا نخرج مما نحن فيه بأقل الخسائر ونكون على قدر المسئولية تجاه هذه القضية العادلة.