قلت واكرر إن مواقف السلطات المحلية في الجنوب ،مازالت تتسم بالضبابية والتردد ،وعدم الارتفاع إلى مستوى الخطر الماحق الذي يهدد الكيان الجنوبي بكل أطيافه ومشاربه.
حين أقول هذا فإني أؤكد أنني لست ممن يطلب من هذه السلطات اتخاذ مواقف انتحارية جريئة أو حاسمة تفوق قدراتها أو رغباتها، من قبيل إعلان الانضمام للحراك الجنوبي أو تبني خيار المطالبة باستعادة الدولة الجنوبية ،لاعتبارات عديدة أهمها ان أغلبهم لا زال يؤمن بشعارات القدر الوحدوي والمصير المحتوم وهذا حق له وحرية شخصية وان كان لا يحق له جعلها سيفا مسلطا على رقاب العباد ومستقبل البلاد.
كما اني شخصيا أدرك إن قرارات من نوع ما هو مشار إليه ربما لن تكون حلا في الوقت الحالي في ظل الأوضاع المنفلتة اقتصاديا وامنيا والانعدام الكلي لكل البنى التحتية في الجنوب والتي دمرت بخطط ممنهجة خلال ال20 عاما الماضية ،وتمكين صنعاء من التحكم حتى بمحاليل الفحوصات في مختبرات المستشفيات الجنوبية ناهيك عن تحكمها بخدمات الاتصالات والبريد والانترنت ،وقبل هذا بقيمة قوت الناس أي معاشاتهم التي إن تأخر قدومها من صنعاء أسبوعا وجدت الناس يمشون كالسكارى و ماهم بسكارى .
ما اعتقد إن هذه السلطات مطالبة به اللحظة وبإلحاح هو البحث عن حلول و بدائل لإنقاذ الجنوب من حالة الانهيار الكلي في حال إن اكتملت حلقات الانهيار للدولة المركزية في صنعاء ،والمرشحة لانهيار اقتصادي وشيك ،قد يسبق الانهيار السياسي أو الأمني .
ربما لن أجانب الصواب إن قلت ان الخطر الحقيقي اليوم لا يكمن في خطر الاجتياح الحوثي للجنوب والذي يروج له البعض بصورة مبالغ فيها وان كانت مخاطرة قائمة ، وإنما يكمن الخطر في ان صنعاء لو انهارت وحتى قبل ان يدخل الحوثي شبرا في أرض الجنوب فسوف تنهار عدن تلقائيا ، كما ان صنعاء لو أرادت (تركيع) عدن والجنوب وفي ظل هذه الأوضاع المهترئة فإنها لن تعدم وسيلة وسيكون بمقدورها بقرار إن توقف معاشات الموظفين وبضغطة زر ان تقطع الاتصالات والانترنت ، كما سبق وان قطعت بذات الزر البث الفضائي لقناة عدن وتحويلها إلى قناة أرضية لا يشاهدها احد وعجز السلطات الجنوبية عن إعادتها للفضاء رغم الوعود المختلفة في هذا الأمر ،ناهيك عن تحكم صنعاء بالنقل الجوي وعدم قدرة مطار عدن حاليا على استقبال طائرات الشحن بعد تدمير بنيته خلال الفترة الماضية وبأيدي جنوبية وهو ما قد يحول حتى دون إمكانية استيراد قطع غيار أو معدات ثقيلة قد تحتاجها بعض المؤسسات والمرافق الحساسة بعدن.
منذ ان بدأت أزمة جنوبيي السلطة مع صنعاء إثر سيطرة جماعة أنصار الله على الدولة ودفع هادي للاستقالة ووضعه تحت الإقامة الجبرية مع رئيس حكومته ووزراءه بدأت السلطات المحلية باجتماعات دائمة لم تثمر عن أي قرارات فاعلة وايجابية وكانت كل مخرجاتها هي الدعوة لاجتماعات قادمة وكأن هذه السلطات لا تجيد سوى الاجتماعات وإصدار البيانات التي لا يفهم من مضمونها شيئا ولا يفرق لديك ان أنت قرأتها من أعلى الصفحة او من أسفلها .
على هذه السلطات ان تسارع لفصل مختلف الخدمات الحساسة التي ترتبط بحياة الناس عن صنعاء وان تتحرك باتجاه توفير بدائل تضمن عدم الانهيار الاقتصادي وان توجد تنسيقات مع الخارج أو رأس المال الجنوبي لضمان استمرارية صرف معاشات موظفي الدولة ،واستقرار الوضع التمويني ،وجوانب أخرى تدركها هذه السلطات أكثر مما ندركها.
المجتمع الجنوبي لا يحتاج بيانات الطلاسم ،ولا تصريحات عنترية قدر حاجته لمن يؤمن له معيشته ويحفظ له أمنه ،فإن كان بإمكان القائمين على أمره توفير هذا كان بها ما لم فعليهم أن يتركوا الأمر لمن هو أقدر وهم كثر.
لا ينبغي إضاعة المزيد من الوقت في المماطلة والبحث في تحالفات لا تقدم ولا تؤخر ،فكل المؤشرات في صنعاء تشير إلى أنها تتجه نحو مآلات أكبر من تواجهها أن أو توقفها اجتماعات وترديد نكات أو تصريحات لا تغير في الواقع شيئا.