يتهم البعض مجتمعاتنا العربية بأنها لا تعزز ثقافة التطوع التي من شأنها المشاركة وجدانيًا وماديًا في النوازل المجتمعية، إضافة إلى تبني سلوكيات النظافة العامة وتحسين البيئة والبناء والتنمية، إلا أن الواقع غير ذلك في أمة تعتبر إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وكذا التبسم في وجه الغير، وتدعو إلى الإيثار.
وفي ظل التحولات التي شهدتها المجتمعات في شتى أنحاء العالم ومنها العربية أخيراً، وما انعكس عليها من تغيرات سياسية واقتصادية ومجتمعية وفكرية، تواجه الحكومات كثيرًا من الصعوبات والتحديات تتجاوز قدرتها وطاقاتها، ومن هنا جاء دور العمل الطوعي والجمعيات الأهلية لتعزيز التعاون والتنمية وتوفير الخدمات جنبًا إلى جنب مع المؤسسات الحكومية.
ويلاحظ أن الإسهام في عمل الخير بات له مؤسسات وجمعيات تسهم بالجهد والمال، وتقدم المساعدات وتتبنى المبادرات الداعمة لأوجه الخير المختلفة. وهناك مؤسسات خيرية أجنبية وعربية تمتد أيادي دعمها لدول شتى في آسيا وأفريقيا.
تنير بالعلم طريق من يرتعون في الأمية، وتشبع بطون الجائعين باللقمة الهنية، وتروي ظمأ العطشى بالمياه النقية، دون منٍ أو أذى. ووفق تخطيط علمي وبأسلوب حضاري تغلفه لمسات إنسانية هدفها الخير للجميع.
السياسة في اليمن تغيّب التكاتف المجتمعي
ازدهر العمل التطوعي في اليمن منذ السبعينيات وحتى تسعينيات القرن الماضي، إلا أنه شهد تراجعاً ملحوظاً في العقد الماضي بسبب طغيان الصراعات السياسية والنزاعات المسلحة على المشهد بصفة عامة، وأدى تدهور الأوضاع الاقتصادية لوأد القيمة الإنسانية في التكاتف والتكافل بالمجتمع.
وإذا كانت المؤسسات شبه الحكومية تتولى قيادة الأعمال التطوعية، مثل فرق الكشافة، والجوالة وجمعية الهلال الأحمر، والمنظمات الشبابية الحزبية، فإن تراجع الاهتمام الرسمي من قبل الحكومة أدى لتوقف غالبية أعمال الخير.
يقول الشاب شادي عبد الوهاب منسق منظمة وصل الطوعية شهدت الآونة الأخيرة نقصاً بأنشطة العمل التطوعي، ورغم أن الشباب والمنظمات غير الحكومية راغبون في مساعدة المجتمع المحلي إلا أنهم لا يعرفون كيف وأين ومتى؟
ويضيف وجدنا العديد من القضايا التي تربط بين المتطوعين والمنظمات غير الحكومية، وفي الوقت نفسه عدم وجود أنشطة لخدمة المجتمع، وذلك ما دفعنا لإنشاء شبكة وصل التي تربط المتطوعين بالمنظمات غير الحكومية التي بحاجة إليهم سعياً لرفع أنشطة خدمة المجتمع وكذلك تأهيلهم في مجالات عدة.
وتهدف الشبكة لتشجيع أولئك الراغبين في التطوع لمساعدة الفئات المهمشة، ورفع مستوى الوعي بأنشطة العمل التطوعي بالمجتمع وتدريب الشباب حسب احتياجاتهم، لتوظيفهم بمنظمات المجتمع المدني. وإنشاء وحدة عمل تهتم بقضايا التطوع وأنشطة خدمة المجتمع وعمل شراكه بين المتطوعين والمنظمات.
بناء القدرات
وترى المتطوعة مريم الذبحاني أن التطوع يجعل المرء أكثر تأثيراً في خدمة مجتمعه، ويزيد إحساسه بالقضايا الإنسانية ويكسبه مهارات تبني قدراته الذاتية لتساعده على النجاح في حياته العملية..
فالأنشطة الخدمية سواء كانت في الإطار العام للدولة مثل حملات النظافة العامة، أو في جوانب مساعدة الفقراء، وتوزيع الأغذية على المحتاجين كلها أنشطة تساعد على خلق شبكة اجتماعية، تضم رواد العمل الإنساني لتعزز الشعور بالرضا من خلال خدمته لمجتمعه والإسهام في التخفيف من معاناة المحتاجين والشرائح الفقيرة.
وتوضح المتطوعة هديل عبد الباري أن هناك رغبة كبيرة لدى قطاع واسع من الشباب خاصة من طلبة الجامعات والمدارس الثانوية للمساهمة في أعمال الخير وإظهار التكاتف..
إلا أن غياب الدور الفاعل للمؤسسات التي تشرف عليها وزارة الشباب والشؤون الاجتماعية يحول دون انخراط أعداد كبيرة من أولئك في الأعمال التطوعية، فالعمل في مجال توزيع الأطعمة للفقراء خلال رمضان والكسوة في العيد، والحقائب المدرسية، كلها أنشطة تقوم بها منظمات غير حكومية..
إلا أنها للأسف أنشطة موسمية ومحدودة، بخلاف الجمعيات التي تشرف عليها وزارتا الشباب والشؤون الاجتماعية، فتوفران مجالات أوسع للخدمة الاجتماعية مثل تشجير المدن وترميم المدارس والجامعات وحملات النظافة العامة، وفي المجال الصحي عبر جمعية الهلال الأحمر وغيرها.
مرتبة متدنية
وتبين هديل أن انشغال الجهات الرسمية بالصراعات السياسية، جعل الأعمال الإنسانية والتطوعية في مرتبة متدنية جداً في قائمة الاهتمامات، وبالتالي تولت جمعيات سواء حزبية أو أهلية أو مستقلة وبشكل محدود مهمة تشجيع أعمال الخير، وتتركز معظمها في مجال الإطعام والكساء للفقراء ودور الأيتام وفئة المهمشين وحملات جمع التبرعات للمصابين بالسرطان والأمراض المعدية.